همسات مع الرسالة 22 للكاتبة قمر عبد الرحمن

بقلم: زياد جيوسي

أولا – الرسالة: رسالةٌ إلى حيرةِ شعبٍ.. وقلب!
صبرًا يا قلبي..
لا ترى الجسد النّحيل!
ولا ترى دمعًا يسيل!

صبرًا يا قلبي..
فنحن كلّما قُتلنا.. نحيا أكثر
وكلّما أُذِّنَ لنا.. نفترق أكثر
فما نفع التّوبة أمام الشّاشات!
دوما قيمة المَنطقِ في الجرائد والنّدوات!
وكم هي مسافة انتظار القرارات!

صبرًا يا قلبي..
فهناك أسرى.. نعم أسرى
وهم الصّادقون كصوت مئذنةٍ يُشعل بالقلب الخشوعَ
وهم الحاملون على رؤوسهم القدس والشّراعَ
شعوبهم نياشينٌ على صدورهم
وقراهم أوسمةٌ على أكتافهم

هم القابضون على جمر القضية..
وهم قياصرة الوطنية
عاشوا ليقولوا: لا للطّغاة.. بالتّمرد والعناد!
عاشوا ليقولوا: الموت أهون من مذلّة البلاد!
وأهون من سفر الخنجر في عمر المؤبدات!
والموت أهون من عدوٍ يدوس على دمنا
ويعيش دور الضّحية والجلّاد!

صبرًا يا قلبي
.. فليس صعبًا جوع الكرامة!
فنحن الأدرى أنّ عيشَ المبادىء صعب!
وليس سهلًا ولع السّلامة!
ونحن الأبقى.. وكلّ الطّريق جثثٌ وذئب!

صبرًا يا قلبي..
فمن السّهل أن ترفع مئذنةً
لكن من الصّعب أن تبني ثقةً
فمَن يصلّي في مسجدكَ يصلّي في مسجد غيركَ!

صبرًا يا قلبي
.. لا ترى الجسد النّحيل!
ولا ترى دمعًا يسيل!
افتح عينيك للمستحيل!
افتح عينيك للمستحيل!

ثانيا – القراءة:
في هذه الرسالة تعود قمر كما عرفتها منذ البدايات؛ القمر المنير في ليل الأسرى، فصمود الأسرى يشد من عزيمتها، ونضالها بعض من نضالهم، فتعنون رسالتها هذه المرة “رسالة إلى حيرة شعب.. وقلب”، فالشعب يقف بحيرة وغضب أيضا حين يرى الفدائي قد استبدل بندقيته بالعصا، وقلب قمر يعتصره الألم فلا تمتلك إلا أن تخاطبه “صبرا يا قلبي” وهي ترى والقلب يتألم لمشهد أجساد الأسرى النحيلة بعد الإضرابات عن الطعام، ولكن كل هذا الألم لما تشاهد يزيد من عزيمتها فتهمس لقلبها، والقلب هنا تعبير رمزي يشير للشعب المقهور بأن الموت بداية للحياة فتقول: ” فنحن كلّما قُتلنا.. نحيا أكثر” فنحن لا ننتظر قرارات ولا تصريحات كما “التّوبة أمام الشّاشات! ” لا تساوي شيئا.
نلاحظ أن النص مكون من سبعة مقاطع، وأعتقد أن ذلك لم يأت عبثا، فرقم سبعة له دلالات في القرآن الكريم وتكرر سبع وعشرون مرة في أكثر من سورة وكان أول رقم ذكر بالقرآن الكريم حسب النزول على الرسول عيه السلام، إضافة الى أنه رقم التفاؤل عند الشعوب عبر التاريخ، فربطت بين الأسرى والشعب المرابط في الأرض وفي الاقصى الذي باركه وما حوله الله سبحانه وتعالى، فتنتقل بالقارئ لقضية الأسرى بصيغة التأكيد بقولها: “فهناك أسرى.. نعم أسرى”، وتصفهم بأنهم “الصّادقون كصوت مئذنةٍ يُشعل بالقلب الخشوعَ”، وهم رغم أسرهم ورغما عن العتمة “الحاملون على رؤوسهم القدس والشّراعَ”، وهم أبناء الشعب الذي يعتبرونه “نياشينٌ على صدورهم” كما يعتبرون قراهم وبلداتهم “أوسمةٌ على أكتافهم”.
فمن أكرم من الشهداء والأسرى؟ هذا سؤال يختفي خلف الكلمات في كل ثنايا النص، فقمر عبد الرحمن تصف الأسرى بأنهم “القابضون على جمر القضية” فهم من: “عاشوا ليقولوا: لا للطّغاة.. بالتّمرد والعناد! ” وهم الشوامخ كما شجر الزيتون يصرخون بأعلى الصوت: ” الموت أهون من مذلّة البلاد! ” وهم لا يهتمون بالسجن رغم أحكام المؤبدات وأحكام مدى الحياة طالما كان ذلك من أجل حرية الوطن، ولا يهتمون بالموت فــ “الموت أهون من عدوٍ يدوس على دمنا”.
تواصل قمر مخاطبة قلبها/ شعبها ومناشدته الصبر رغم كل معاناة الأسرى مع الاضرابات عن الطعام ” فليس صعبًا جوع الكرامة”، فالـ “عيش مع المبادئ صعب” وشعار أسرانا وشعبنا يبقى ” ونحن الأبقى.. وكلّ الطّريق جثثٌ وذئب! “، فالأسرى يعانون وشعبنا يعاني وخاصة في ظل انكشاف الخيانات العربية علنا وعلى أعلى المستويات، وحين يتحكم بنا ساقط وسكير وعاهر، “فمن السّهل أن ترفع مئذنةً، لكن من الصّعب أن تبني ثقةً”، ولا ثقة الا بالشعب الذي يتحمل الضيم ويقاوم، فتناشد قلبها/ شعبها أن لا يرى الجسد النحيل ولا الدمع الذي يسيل، وفقط تكرر في مخاطبتها: “افتح عينيك للمستحيل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى