ما كانوا في العير و خسؤوا أن يكونوا في النفير

مأمون الشبلي| كاتب سوري مقيم بألمانيا

يقول الجواهري :
لا يَغضبَن سادة تُخشَى مَعرّتهُم .. بل المعرّة في أن تغضب الخدم
البيت من رائعة الجواهري الخالدة :
لم يبقَ عندي ما يبتزُّه الألم .. حسبي من الموحشات الهمُّ والهرم
لم يبقَ عندي كفاءَ الحادثات أسى .. ولا كفاء جراحات تضجُّ دم
وحين تطغى على الحرَّان جمرتُه .. فالصمت أفضل ما يُطوَى عليه فم
وإنما آثرتُ على غير العادة أن أذكر مطلع القصيدة وأبياتًا أُخر لأن فيها ما يُعبّر ، فالصمتُ أفضل ما يُطوى عليه فم ..
إلا أن بعض السفلة لا ينفع معهم أن تصمت عن إساءاتهم وتجاوزاتهم فكان لزومًا أن تكتب لهم مباشرة وبكل وضوح .
وقد كان الجواهري في ميميته ألطف من المتنبي وأخفَّ وطأة ، قال المتنبي :
وإنه المشير عليكَ فيَّ بضَلَّة .. فالحرّ مُمتَحنٌ بأولاد الزنا
وإذا الفتى طرح الكلام مُعَرِّضًا .. في مجلس أخذ الكلام اللذعَنا
ومكايد السفهاء واقعة بهم .. وعداوة الشعراء بئس الُمقتَنى
لُعِنَت مُقارنة اللئيم فإنّها .. ضيف يجرّ من الندامة ضيفنا
الأبيات من قصيدة مطلعها :
الحب ما منع الكلام الألسنا .. وألذُّ شكوى عاشق ما أعلَنا
 لا أدري لم يضطرك بعض الناس أن تسلح عليه ، هم والله ما كانوا في العير وخسؤوا أن يكونوا في النفير ، إنما ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا تيوسًا محللة وأن ينبحوا قافلة ما مرّت مضاربهم ولا جاورتها ولا كانوا يومًا محطة في طريقها أو خانًا تمكث فيه فيعلفون دوابها ويسوسون خيلها ، لا أجد سببًا يجعل هؤلاء السفلة يُعرّضون ، لا هم في الأدب ولا كانوا من روّاده ، ولا في الشعر وقارضيه ورواته ، إنما ألفيتهم يغمسون خياشيمهم فيما ترك السبع وعافت جوارح السماء ، ولهؤلاء جد ورثوه وخبث اتبعوه ، وإنهم لو كانوا رجالًا ما تغامزوا ، إنما ارتضوا أن يكونوا براقش قومهم فجنوا على أنفسهم و قومهم ، وإني – وقبل أن أكتب عنهم – أنقل لهم بعض ما جاء في موروثنا الأدبي القريب ، علّهم إذ فهموا أول قطرة استحيوا فانصرفوا إلى ما ينفعهم أو يسكتون .
كتب طه حسين متهكّمًا على أسلوب الرافعي في كتابه رسائل الأحزان :
إنَّ كل جملة من جمل هذا الكتاب تبعث فى نفسى شعورًا قويًا مؤلمًا بأن الكاتب يلدها وِلاَدَةً وهو يقاسي في هذه الولادة ما تقاسيه الأم من آلام الوضع .
وإنه لَيُخيّل لمن لا يعرف العربية ولا يفهمها أن طه حسين كان يمتدحه ، وهذا ديدن الجَهَلة الذين يظنون أن معرفة الشعراء تجعل لهم وما يكتبون قيمة ، ويحسبون ارتقاء المنابر والدندنة أكسبتهم فهمًا .
فكان أن أجابه الرافعي :
لقد كتبتُ رسائل الأحزان في ستة وعشرين يومًا ، فاكتب أنت مثلها في ستة وعشرين شهرًا ، وأنت فارغ لذلك العمل، وأنا مشغول بأعمال كثيرة لا تدع لي من النشاط ولا من الوقت إلا قليلا ، هأنذا أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها وإن لم يكن الأمر عندك في هذا الأسلوب الشاق عليك إلا ولادة وآلامًا من آلام الوضع كما تقول ، فعليَّ نفقات القابلة والطبيبة متى وَلَدْتَ بسلامة الله . انتهى
وهأنذا أطرح أمامكم منشورات التناص وقبلها الحافر على الحافر ، وإن القابلة تنتظركم آخر الزقاق .
بالمناسبة ، لا يُعاب على رجل أنه لم يكتب بيتًا من الشعر ، إنما العار على من كتبَ ما لا يُسمى شِعرا و ( دحش ) نفسه بين الشُعرا ، إي ورب الشعرى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى