الملكة اللغوية بين الأمومة والتعلم
د. هدى مصطفى محمد| أستاذ المناهج وطرق التدريس- كلية التربية بسوهاج
الملكة لغة من الامتلاك وهي صفة راسخة في النفس لتناول أعمال معينة بدقة واقتدار .
واصطلاحاً هي استعداد نفسي وعقلي خاص يمكن صاحبه من أداء فعل ما بمهارة واقتدار .
والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال ، فالتكرار للفعل هو ما يجعله صفة راسخة في صاحبه.
والملكة اللغوية كغيرها من الملكات كالصناعة منها الجيد والرديء ، وهي درجات عند أصحابها فمنها المتميز العالي، ومنها الضعيف المتدني وبينهما درجات ومراتب عديدة متوسطة.
والحكم على جودة الملكة اللغوية لا تأتي من خلال الحكم على الألفاظ المفردة ولكن تأتي بالحكم على التراكيب المكتملة. فالألفاظ لا تتضح معانيها وهي مفردة ولكن عندما تُضم إلى غيرها فتتضح معانيها من مبانيها .
وحفظ الألفاظ اللغوية المفردة لا ينتج عنه فصيح كلام أو حلو لسان .ولكن يروق الكلام من حسن نظم الكلمات والمفردات. وهذا لا يقلل من قيمة الألفاظ المفردة فهي لها أهمية وقيمة ولكن ليس في ذاتها ، فتظهر قيمتها مع الاستخدام والتوظيف في كيان لغوي متكامل وهي في ذلك كالأحجار الكريمة التي تظهر قيمتها وترتفع من خلال استخدامها في قلادة أو خاتم .
والملكة اللغوية مكتسبة وليست فطرية ويتم اكتسابها عن طريقين:
أولهما: الانغماس اللغوي وهو العيش في بيئة لغوية صحيحة، وهذا ماكان يحدث في البيئة العربية قديمًا فاللغة تنتقل من جيل إلى جيل عن هذا الطريق وهو المعايشة. فما نسمعه ننطقه ومالم نسمعه لاننطق به ولا نكتسبه.
فالأصم لا يتكلم لعدم توافر وسيلة السماع التي تنقل له ما يحاكيه، وتختلف اللغات باختلاف البيئات التي يعيش فيها المتحدثون بأصوات مختلفة. فهذا ينغمس في بيئة تتحدث العربية فينطق بالعربية، وغيره ينغمس في بيئة تتحدث بالإنجليزية فيتكلم الإنجليزية وهكذا في كل اللغات .
ثانيهما : الحفظ والمران والحفظ لا ينفصل عن المران فكلاهما يتم ممارسته بصورة متلازمة ، فكثرة المران هي التي تؤدي إلى الحفظ، فالمهارة اللغوية لاتنمو إلا بالممارسة .
والمران قد يؤدي إلى الحفظ. والحفظ نوعان أحدهما: الذي يتم بتلقائية أو عفوية فجميعنا يحفظ من التعبيرات والتراكيب التي يكثر استخدامها بطريقة تلقائية من خلال (الانغماس اللغوي) وعلى سبيل المثال التعبيرات التي يكثر استخدامها وترديدها في بعض المناسبات الاجتماعية .
والنوع الثاني من الحفظ وهو الذي يكون مقصوداً متعمداً كالحفظ لبعض المقطوعات ، وهنا تتمايز المادة المحفوظة حسب تميز وحسن انتقاء المقطوعات المختارة للحفظ . فإذا ما كان الحفظ لكلام أو نصوص لغوية رصينة فإن ذلك يؤثر على الملكة اللغوية ويسمو بها لدرجات عليا ، أما إذا كان الحفظ لنصوص لغوية رديئة لأنتج ملكة لغوية متدنية .
ولذلك كان اختيار النصوص الأدبية في المناهج اللغوية لمختارات ذات قيمة يغلب عليها أن تكون من القرآن الكريم والأحاديث النبوية وجميل الشعر وجيده من حيث المعنى والمبنى فجودة المحفوظ تضمن جودة الاستعمال.
وهنا نلفت الانتباه بين اكتسابنا للغة الأم التي يجب أن يكون عن الطريق الأول وهو الانغماس اللغوي ولذلك فهي مكتسبة بالأمومة واللغات الأخرى التي نكتسبها بالتعلم لعدم معايشتنا لها
وإذا ما حاد المجتمع عن لغته الأم حينها تصبح اللغة (الأم) الأصلية أيضاً مكتسبة بالتعلم وهنا يكمن الخطر على اللغة الأم ومن هنا يجب السعي إلى نقاء المجتمع اللغوي لتحقيق الانغماس اللغوي الذي يضمن اكتساب اللغة بالأمومة لا بالتعلم .