الورقة الثالثة من “روزنامة” آخر العام هكذا فجأة الموت رقم (3)

حنان بدران | فلسطين

 

بات الموت المعلق على طرف السؤال في عام مضى خلف قضبان سجن البيوت وشوارع مقفرة ، حروب بلا حرب ، قتلى بلا بارود أو رصاصات حارقة ، أو براميل متفجرة “كمرفأ بيروت” والفاعل فيها طائر شؤوم ، وفجأة أرتدى وجه الأرض كمامته ، صارت المدارس بلا طلاب ، والتعليم بلا معلم ، أنياب الفقر افترست بشهية 88 مليون شخص وقعوا فريسة الفقر المدقع ، عزلة العيد بلا احتفالات ، أعراس بلا اصدقاء ، وأسواق مغلقة ..طوابير وطوابير صف خامس وسادس وتجار يصبحون على طرف الفاجعة اثرياء فجأة .
غضب الطبيعة انفجر يحرق الغابات بصمت كأنها انتحرت واقفة فجأة ..
انتصبت مدن وهوت مدن ولعنة سوداء “كلعنة ميداس” رعناء تمتص أجسادنا الشهية بعشوائية جذورها لعنة الموت من لحظات الوعي المفاجئ بأننا ربما نمرض أو نموت فجأة ،
ولا نملك حق الرفض أو الاختيار هكذا فجأة ،
نموت .. وقد يحدث هذا قبل أن ننجز القصة التي نكتبها قبل أن يستدير البدر على كتف السهل والبحر ، قبل أن نشتري الثوب الأخضر الذي نحلم به وقبل أن ترتديه الحبيبة !
وبتنا نشارك أصغر المخلوقات حقارة البعوضة على طرف النهر مصيرنا المشترك .. سنموت .
قبل أن نحصد موسم السنابل الأشقر .
هاجمتني آلاف الصور بعدها كأن الأرض أصبحت مرآة الواقع المعذب وهي تنهمر بعشرات الصور والمأساة على امتداد الأوطان تتكرر ، وسقطت في عيني الجثث المشلوحة في العراء ، ودمها المخثر على جراحها المفتوحة تطل وجوه أوطاننا العربية تحت صقيع القمر البارد المذهول !؟
اقتحمتني الكلمات التي لا تقال وهي ابجديتي ..وتدوينها للزمن هي حرفتي ، تتقن روحي الانصات إليها والتقاط كهاربها بين عوالم مفترسة ومشاعر مشحونة بالوحشة والفجيعة والغربة والتوق الغامض للدفء الإنساني بات بين ليلة وضحاها قديم المشاعر كما الرادار تجول بروحي وتزلزلني .. مشاعر تسكن كبرياء الصمت ، ورحم السرية ، تفتش في الظلمات عن كل لافتات “قف ممنوع المرور ” لتعدو راكضة فيها ..اتسلق منحدرات علامة السؤال واتمسك بعلامة الدهشة الساكنة بوجوه ملطخة بالحبر والنزوات كسيزيف .. في رغبة شريرة لادق على غطاء توابيتها ، وابحث عن بقعة النور الهاربة من السنة الشمس أناديها بصوت شجي بلا حروف أو كلمات وأهيم في شوارع خاوية لادق النوافذ والسطور ويظنوني الناس صوت الريح العابرة ..
وأنا أسقط في بئر بلا قرار بئر إسمه تاريخ الإنسان المعذب تنهمر الأجساد الممزقة ، تضرب وجهي آلاف الأطراف المقطوعة ، التي ما زالت تقبض على بنادقها وهراواتها ، ورماحها ، وأسلحتها البدائية .
هجمت على رأسي صورة نوبل العالم الذي اخترع البارود ، ثم عاد ليكرس ما جمعه ليكفر عن اختراعه الفتاك : بجائزة نوبل للسلام .
– أي جائزة هذه لمن يسكب برميلاً من الماء البارد على رأس البارود المنفجر ليكفر عن خطيئة اختراعه القاتل ..؟!!
– برأيكم ما العلاقة التي تربط بين مخترع الديناميت ومخترع كوفيد19 !؟
وحين يصحو الضمير الإنساني فيه “صحو بعد تحريم الأفيون” بعد أن ينفتح زمنا فوق بركة الليل الناصع بالسواد وبعد المقارنة بين الموت بنيران البارود وبين نيران الألم الملتهبة بالحمى وضيق النفس والانهيار الجسدي المؤلم وهو ينخر العظام ..
هل سنشهد اختراع بكاتم صوت جديد على شاكلة نوبل للسلام من الاوبئة ؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى