محطة استراحة

مصطفى العارف | قاص من العراق

نسيم طالب جامعي منحدر من عائلة ريفية فقيرة لا تملك قوتها اليومي, عمل في مختلف المهن لمساعدة عائلته وتوفير لقمة عيش شريفة, يعمل نهارا ويدرس مساء تم قبوله بكلية الآداب, لم يكن سعيدا كبقية الطلبة المقبولين في الكلية عاد من العمل وهو سارح الذهن, وبدأ يكلم نفسه, كيف لي العمل والدراسة في كلية الآداب بجامعة بغداد وأنا لا املك أجرة السيارة, قدمت له الطعام والدته قائلة:
– ولدي نسيم
لم أنت حزين؟ هل عندك مشكلة في العمل؟ اخبرني كي أساعدك يا قرة عيني.
الحل الوحيد أني اترك الكلية وأتفرغ للعمل والدي مريض يحتاج إلى العلاج في كل يوم وأختي نسرين فاقدة البصر وتحتاج إلى عناية خاصة ومتابعة وأنت يا أمي بحاجة إلى من يساعدك في عمل البيت.
– لا تقلق علي يا ولدي واهتم بدراستك ومستقبلك.
ظلت كلمات والدته تتردد على مسمعه, فكرا مليا بالخروج من هذه المشكلة لكن دون جدوى, قرر الالتحاق بكلية الآداب بدراستها المسائية, وتم قبوله بعد مشقة وعناء في الحصول على أجرة السنة الأولى, وصل بغداد وأخذ يسأل عن مكان كلية الآداب, وصل للجامعة كانت قطعة كبيرة مكتوب عليها كلية الآداب أسست عام 1933, دخل باب الكلية وهو مرتبك ومتردد تمر من جانبه الأيمن الطالبات الجميلات التي لم يشاهد مثلهن في حياته, وجد اسمه على جدار قسم التسجيل نسيم علي محمد مرحلة أولى قسم اللغة العربية اطمئن لان لديه ميول أدبية في كتابة الشعر والقصة القصيرة جدا, تناول الدكتور عبد العزيز أحمد في محاضرته الأولى في مادة منهج البحث الأدبي كيفية كتابة البحوث وطلب من نسيم كتابة بحث فاختار القصة القصيرة جدا في مدينة الناصرية, شاهد مختلف الطالبات كان خجولا ومنطويا لا يقترب منهن وهو يشعر بالخوف والوحدة والضياع في الكلية حتى تعرف على منال الطالبة الجنوبية التي أحبها وعشقها حد الموت, كانت شفافة ومقبولة الجمال وأخذت تقربه منها وتساعده في إعداد البحوث والواجبات لأنه يعمل في النهار رغم ظروفه القاسية والقاهرة تزوجها في المرحلة الثانية وعاشا حياة سعيدة ملئيه بالأفراح والمسرات وأنجبت له نور وملاك, وبعد التخرج آخذت منال تفتعل الأزمات والمشاكل العائلية حتى وصلت المشكلة إلى الطلاق بينهما بعد علاقة حب دامت سنوات سعيدة, وقررت الزوج من ابن عمتها بعد تعيينها مدرسة لغة عربية في مدرسة حنين, ورمت بطفلتيها البريئتين, أثقل كاهل نسيم بحمله الآلالم والمواجع في إدارة عائلته الكبيرة ودخله المحدود كان صبورا وقنوعا, اتصل به صديقه الروائي المبدع أحمد حميد وكان اللقاء يوم الجمعة في مقهى رضا علوان شعر نسيم بالسعادة حتى يمر بشارع المتنبي لاقتناء بعض الكتب الأدبية والنقدية المهمة, اشترى مجموعة من القصص والروايات القديمة والحديثة وجلس في المقهى ينتظر صديقه الروائي احمد حميد, فتح المجموعة القصصية الأول كانت بعنوان الضياع للقاص عبد الرضا علي قرأ كم قصة واخذ يسرح ذهنه إلى أيام الجامعة عندما تعرف على منال في اللقاء الأول. – مرحبا هل يمكني التعرف عليك.
– بالطبع قالها بتردد أنا نسيم مرحلة أولى لغة عربية.
– تشرفت بك أنا زميلتك منار. وفي اليوم التالي كتب أبياتا شعرية جميلة على سجل المحاضرات قال فيها:
احبك حبا لو يفيض بسره على الناس لمات الناس من شدة الحب
واعلم بعد ذاك باني مقصر لأنك في أعلى المراتب من قلبي
وهو متأمل اللحظات الجميلة التي قضاها مع حبيبته وزوجته انتبه إلى صوت عال لسيارة تدهس صاحب دارجة هوائية كادت تودي بحياته, هب الجميع لإنقاذه وهو مازال سارح الذهن حتى انتبه إلى صديقه الروائي احمد أمامه وهو يبتسم.
– متى وصلت يا أحمد.
– عندما كنت تقرا بصوت عال احبك حبا.- لم اعلم بوجودك قربي.
– لا يهم المهم ما الكتب التي اشتريتها اخذ يقلب المجاميع القصصية والروايات حتى ظهرت لي رواية قديمة بدون لوحة غلاف ولا عنوان كانت بداية الفقرة الأولى مكتوب عليها القناعة كنز لا يفنى, والحياة محطة استراحة.
22/10/2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى