جدلية التنوع والتعددية تطرق أبواب الحوار بين الداخل والخارج
عصام الياسري
بين الخامس والسادس من تشرين الأول 2022 نظمت في العاصمة الألمانية برلين “المؤسسة الأوروبية للحوار والتنمية” أربع جلسات حوار، بالتعاون مع منظمات رسمية ومجتمعية عراقية وألمانية:
مسارات وهي مؤسسة مقرها بغداد، مركز بغداد الدولي للدراسات وبناء السلام ومقرها العراق، مؤسسة الحوار الإنساني، والمؤسسة الأوروبية لتعارف الأديان. ناقشت على مدى يومين مواضيع تتعلق بالشأن العراقي من بينها في اليوم الأول وعنوانه: ملتقى برلين الدولي حول التعددية وإدارة التنمية، الجلسة (1) “التنوع والتعددية في المجتمع العراقي: وجهات نظر وخبرات. جلسة (2) التعددية وإدارة التنوع في التجربتين الألمانية والعراقية، طالع فيها أساتذة عراقيين وألمان متخصصين. فيما حمل اليوم الثاني عنوان: “المؤسسة الأوروبية للحوار والتنمية” ملتقى برلين الدستوري ـ آراء عامة حول الدستور العراقي، الجلسة (1) جمهورية فايمار ودروسها للعراق، جلسة (2) الدستور العراقي بين الأزمات ومحاولات التعديل. اصطدم العديد من المداخلات والنقاشات في كلتا الندوتين بردود فعل متباينة بين المشاركين، وفي جنبة اخرى، خلو الواقعية الموضوعية، ومغادرة التعرض بشكل مباشر لطبيعة نظام الحكم، كنظام طائفي توافقي، لا يعبر إلا عن مصالح طبقة وأحزاب السلطة، وليس دولة المواطنة وخصائصها المجتمعية، دستوريا وجيوديموغرافيا.. إذ إن ذلك النظام قد أنتج منذ مجيئه كل ما آل إليه الوضع من تراكمات ومفاهيم خاطئة جعلت البلاد تغوص في العدم الفكري والقانوني والدستوري، الركائز الأساسية لبناء دولة المواطنة وثوابتها الحصرية والبينية.
ما يهمنا هنا بالنظر لجلستي اليوم الأول الموسومة“ التنوع والتعددية في المجتمع العراقي ”التي شارك فيها السيد مهند مصطفى جمال الدين والأستاذ الدكتور خالد عبد الإله عبد الستار والدكتور سعد سلوم والدكتور ميرزا ديناي والدكتورة منى جابر التميمي وآخرين من بينهم متخصصو المان. وعلى قدر عال من الأهمية جلسة اليوم التالي حول موضوعة“ جمهورية فايمار ودروسها للعراق ”تقديم السفير العراقي في ألمانيا الأستاذ لقمان عبد الرحيم الفيلي. نستنتج بأن الحكومات المتعاقبة منذ احتلال العراق عام 2003 ولغاية اليوم، لم تكن بالمطلق معنية بالتنوع والتعددية المجتمعية وأهمية معالمها الثقافية والحضارية في بناء الدولة“ دولة المواطنة والعدل ”وليس أي دولة. إذ إن ذلك وفقا“ لفلسفة التكامل الثقافي ”يشكل ضمانة لتطور المجتمع وحفظ أمن الدولة وصيانة مصالحها الوطنية… إذن ماذا يعني التنوع والتعددية في المجتمع العراقي، ليس كمفهوم إنما كواقع حال؟. وفقا للمعطيات السياسية والمجتمعية والاقتصادية والأمنية التي تعاني منها المجتمعات العراقية منذ ما قبل غزو العراق وما بعد ذلك، دون هدف، يعمل، على تسوية تلك المظاهر المتخلفة وإحلال مكانها“ أوجه التقارب ”بين الثقافات المجتمعية المختلفة بطريقة وتفكير تاريخي أنثروبولوجي مكثف. بناءً على ذلك، يجب فهم: إن إقرار مبدأ التنوع والتعددية ضرورة، وعلى أنه مهمة متعددة الثقافات. دونه يتحول مفهوم“ التنوع والتعددية ”فيما يتعلق الأمر بالجنية الوطنية على الصعيدين“ الرسمي والمجتمعي”، لمفردة مضطربة إلى أبلغ الحدود. تكسر شوكة المواطن إزاء انتمائه إلى هوية يتظلل بحمايتها له.
تعرض نمو التنوع والتعددية في العراق على خلفية العوامل الخارجية والعمليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مدى فترات طويلة من الحروب والعنف والإقصاء والتشرذم، إلى الأساليب من التقاليد المتباينة والمتشابكة في كثير من الأحيان، وجرت محاولات لتغريب مصطلح“ التنوع والتعددية ”بطرق مختلفة تدريجياً، ولكن بشكل ملحوظ. فيما لم يتح للتواصل والتبادل والتفاعل فرصة كسر الحواجز العقائدية والأيديولوجية التي تقصى المواطنة والمساواة والحقوق والتنوع والتعددية الثقافية، وفي نفس الوقت نقل أشكال متنوعة من التثاقف إلى صراعات على خلفية تاريخ اتسم بالعداوات والنزاعات الطائفية والعرقية وتغيير التكوين العرقي والثقافي والديني لمجتمعات منسجمة مع بعضها منذ عهود.
إن التحديات الناشئة عن سوء التعامل مع قيمية“ التنوع والتعددية ”وبشكل متزايد، تثير أسئلة صعبة وأساسية لدى جميع المجتمعات العراقية، وأصبحت أكثر تعقيدا بسبب تنامي المفاهيم الشعبوية والعرقية والدينية“ الطائفية ”وقيام مؤسسات الدولة“ التشريعية والدستورية ”بشرعنة فضاءاتها المتخلفة بطريقة هرمية أفضت إلى تدفق هجرة ملايين العراقيين وبالأخص“ المسيحيين واليزيديين ”إلى عوالم أخرى… مسألة حماية المعتقدات التقليدية والتنوع العرقي والديني للأقليات، يجب أن تكون جزءاً هاماً من تعريف موسع للمواطنة والاعتراف بحقوق المجموعات والأفراد. وإن عدم التغاضي عن منهج وتفكير الحركات المضادة لمفاهيم“ التنوع والتعددية ”في المجتمع والسياسة، سيثير اهتماما جوهريا، يصطدم بديناميكيتين في عملية الطابع متعدد الثقافات. يهدف أحدهما إلى تسوية الاختلافات الثقافية واحتوائها، بينما يؤكد الآخر على الحاجة إلى التنوع في التطورات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها أن تفجر طاقات المشاركة التنموية في عراق المستقبل.
كشفت العديد من البحوث التطبيقية، بأن المواطنة والتعددية الثقافية: مقاربات للمساواة والحقوق والتنوع. في العراق ومنذ أن تسلم حزب البعث مقاليد الحكم ومن ثم سقوطه وتأسيس نظام حكم طائفي ـ شعبوي على أنقاضه، تأثر التكوين العرقي والثقافي والديني للمجتمعات بطرق مختلفة، وتغير مع ذلك مشروع إعادة التفكير في المفاهيم التقليدية للمواطنة والحقوق والعلاقة بين المجتمعات العراقية بشكل ملحوظ. وأصبح النموذج الاستيعابي للمؤسسة السياسية على المستوى الرسمي والمجتمعي، بدل التنوع والتكامل المجتمعي، الولاء للجماعات الدينية والعرقية “الطائفي والقومي الشوفيني” حالة أكثر نموا وهيمنة. وليس من الواضح: هل يجب أن تعترف الدولة بحقوق المجموعات وبممارسات ومعتقدات الأقليات كجزء من تعريف موسع للمواطنة؟ أم أن المفاهيم الحالية للمواطنة والحقوق الفردية والعامة (غير المتيسرة)أصلا، كافية لاستيعاب هذا التنوع العرقي والديني المتنامي؟
الحياة في أوساط متعددة الثقافات: يؤدي الانتماء الوطني لإنتاج الأسرة أو الأمة أو اللغة التي ينتمي إليها شخص نشأ في ثقافات مختلفة ولديه طرق مختلفة لتحديد مكانه بسبب تاريخ حياته ضمن دورة السيرة الذاتية لثقافات مجتمعية متنوعة عاش وتعايش معها، إلى تصنيف الانتماء القومي أو العرقي، كما ويكتسب منها المعرفة والمهارات اللازمة، وبالتالي ستؤدي هذه الأشكال إلى إزالة المفاهيم (التي ترتكز على الاثنية) الطائفية والقومية الاجتماعية لنظام الحكم.