فاعليات اليوم الثاني من مؤتمر الفلسفة الدولي بالفجيرة
مجدي بكري | القاهرة
تحت رعاية ولي العهد محمد بن حمد الشرقي وجاءت فاعليات اليوم الثاني لتتناول مشكلات الفلسفة العربية الراهنة للدكتور محمد محجوب
الذى استعرض سبل التعامل التقليدي مع ماضي الفكر فإما أن نتعامل معه كجملة من الأفكار الحاصلة والمكتملة والتي تمت صياغتها صياغة مذهبية في شكل “مقالات” جاهزة ومغلقة قابلة للوصف والتفصيل، وإما أن تقابلنا تلك الأفكار كتجربة حية من الافتراض والحجاج والاستنتاج والجدل تشقها مواقف معلنة أحيانا وضمنية أحيانا أخرى مما يحملنا على أن نتعامل مع هذه التجربة على أنها تجربة لانهائية لا يمكن استيفاؤها ضمن ثبت محدود ..
وقدم محجوب عدة فرضيات تتضمن
الحدس الأول:
إن الاضطلاع التاريخي بتاريخ الفكر عندنا ليس راجعا إلى الطبيعة التاريخية لهذا الفكر وإنما هو راجع إلى كون المعرفة التاريخية كانت – ولعلها ما تزال – هي المعرفة الوحيدة الجاهزة والعملية التي يمكنها استيعاب تاريخنا الفكري وتلقيه وتحقيبه وتنزيله في السياق الوحيد الممكن لها.
أعني سياق التاريخ السياسي والاجتماعي. لذلك يتطلب التفكير عندنا وتتطلب الفلسفة عندنا نزع مطلقية التاريخ ..
الحدس الثاني:
قامت في الجامعات العربية بدرجات متفاوتة صناعة حديثة نسبيا اختارت أن تسمّي نفسها بالدّراسات الحضارية وهي إلى اليوم في نوع من الحوار الصامت مع المعرفة التاريخية التي تستلف منها وتعتمدها بحيث أصبحت الدراسات الحضارية تبدو بمثابة التعليقات الموسعة على ما تكتفي الدراسات التاريخية بأن تشير إليه دون التوقف عنده لأنه ليس من شأنها. ولذلك ليس من الوجيه إفراد هذه الحضاريات” بالدرس حين تقع محاورة الجذر الذي تنتمي إليه، أعني “الوعي التاريخي”.
الحدس الثالث
: المتفلسف في هذا السياق “نتأت” – في الجامعات – الدراسات الفلسفية ولم تتمكن لحد اليوم من الخروج عن الإشكاليتين اللتين طرحتهما المعرفة التاريخية : أعني تحقيب الحدوس الفكرية في علاقة بسياقاتها، وتفصيل القول في تلك الحدوس على خلفية تاريخية. ودون أن اعتبر هنا الاهتمامات الجامعية التقليدية المعروفة، فليس من الغريب أن يكون الخطاب الفلسفي، ، في العالم العربي خطابا شبه حضاري: إن كثيرا من المحاولات التي اندرجت ضمن ما يسمّى إجمالا بمشاريع القراءة هي محاولات إعادة قراءة، تقوم على إعادة تأهيل” لماض فكري .
بينما تناول الدكتور حسن حماد موضوع ” سلطة المقدس فى الرهن العربي ”
وأجاب حماد عن لماذا المقدس موضوع النقاش ؟
لان هناك حضور طاغيا للمقدس لدرجة أن سلطة السياسة فى بعض الدول تحاول التؤام مع سلطة المقدس ، خاصة لدى الجموع لان سلطة المقدس تصبح مخيفة عندما تسيطر على العقل الجمعي ، وتناول حماد مصر بعد عصر السادات نموذجا ..
وعرف حماد سلطة المقدس قائلا أن المقدس من أصعب المفاهيم لانه مفهوم ملتبس وغامض حتى فى اللغة الانجليزية نجد أكثر من مصطلح يعبر عن المقدس ((( sacred, Holly, taboo
المقدس هو ما لايمكن المساس به فى وجهيها الملعون و المحمود .
حتى فى الإسلام المحرمات هى الماكن المقدسة والأشخاص المقدسة والاشهر المقدسة ، والمحرمات مثل الحم الميت والخمور إلى آخر المحرمات مصطلح المقدس مصطلح مزدوج،
أجاب حماد على ما هى انعكاسات هيمنة المقدس على واقع الانسان ؟
غياب التفلسف وغياب الخطاب الفلسفي لان اذا حضر الخطاب المقدس غاب التفلسف
الان المقدس يعتمد على ٣ سمات رئيسية وهي الغرائيبية أو العجائبية ، الغموض ، الغياب اوالايمان بالغيب وهو احد أركان المقدس الإسلامي ، هذة السمات تمارس نوعا من الشلل العقلي لذلك غابت الفلسفة عن الواقع العربي ..
جاءت الجلسة الثانية بمشاركة دكتور أنور مغيث
والدكتور خاد الكموني
عرض الدكتور أنور مغيث الفلسفة والإصلاح السياسيّ ” قراءة في جمهورية أفلاطون”
السياسة ظاهرة إنسانيّة عظيمة التأثير في حياة الناس في كلّ مجتمع. ولهذا كان من الطبيعيّ أن تصبح موضوعًا لتأمّلات الفلاسفة شأنها شأن العلم واللغة والفنّ.
الواقع أنّ التأمّلات الفلسفيّة في السياسة التي امتدّت من بدايات الفلسفة إلى اليوم هي ما نطلق عليه إجمالًا الفلسفة السياسيّة.
الفلسفة بوصفها عنصرًا أساسيًّا في تكوين السياسة
حين نُعرِّف الفلسفة بأنها حبّ الحكمة نجعل منها بعدًا بنيويًّا في تكوين السياسة عينها. ذلك لأنّ غاية هذه الأخيرة مساعدة البشر في الوصول إلى حياة أفضل
الكتاب الذي رسّخ الصلة الوثيقة هذه هو جمهورية أفلاطون. حينما نذكر محاورة الجمهورية لأفلاطون تواجهنا إعتراضات تدعو للتهوين من شأنها. أوّلها أنّه عمل قديم تمّ تأليفه منذ حوالى أربعة وعشرين قرنًا، وقد شهد العالم تطورات هائلة على كافة الأصعدة، فما فائدة كتاب ينتمي إلى تلك البدايات التي كانت تسود فيها العقليّة البدائيّة؟ الاعتراض الثاني هو أنّ الكتاب ليس دراسة لممارسة سياسيّة واقعيّة بقدر ما هو يوتوبيا أطلق المؤلِّف فيه العنان لأحلام يقظته. الاعتراض الثالث هو أنّه كتاب يُعادي الديمقراطية ويعتبرها من أسوأ نُظم الحكم، ومن هذا المنظور هو ناطق بلسان الرجعيّة والاستبداد.
عرض مغيث معنى الإصلاح السياسيّ
للسياسة تعريفات كثيرة تتعلّق بطبيعة الدولة ووظيفتها، وبالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبفضّ المنازعات ببن الأفراد سلميًّا، وبتوفير الأمن عن طريق احتكار العنف. بوجيز العبارة، السّياسة فنّ إدارة الحياة المشتركة في المجتمع.
رصد مغيث محاور الجمهورية الافلاطونية
حيث يتناول أفلاطون السياسةَ في محاورته التي ينقسم تبويبُها إلى عشرة كتب. في هذه المحاورة يحدِّد أفلاطون ثلاثة أفكار فلسفيّة ضروريّة من أجل تحقيق سياسة نافعة: العدالة كأساس، والفضيلة كوسيلة، والسّعادة كغاية.
و اخيرا أوضح مغيث تحديات معاصرة في مواجهة الديمقراطية..
بينما تصدى الدكتور خالد الكموني لموضع “للممكنات في العالم العربيّ”
إنّ التفكير في الممكن يأتي من وعي بضرورة تجاوز المتحقِّق الموجود الذي استنفد واقعيَّته.
والفهم العابر للزّمان هو التخلي عن العلم لأجل المعلومة.
والحال أنّ الوجود المستدام يكون بالتزام الفكر وليس التزام الفكرة، لأن الأساس هو النمو لتحقيق الانتماء إلى الكون المتجدّد، أما الاكتفاء بالموجود فهو إخلاء الوجود. والفهمُ دائم الحدوث، هو ممكنٌ على الدّوام
فاليوم نحن نُعارِك الفشل الدينيّ والسياسيّ والقِيميّ، وكلّ ما تفرضه سلوكات الانفلات الاجتماعيّ، ونحاول وعي اللغة المُمكنة باللغة الموجودة، أي إمكان إبداء الرأي القصديّ في الدين والسياسة والقيم.
إنّ التكنولوجيا الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعيّ وكل هذه الثورة التواصلية الكونية طوَّرت نوعية طروحاتنا الفلسفية، بحيث إنّ السؤال القيميّ قد أربك الجميع، فلن يكون بعد اليوم سؤالًا عابرًا.
1- الممكن الفلسفيّ
إنّ ما جرى في احتلال العراق هو ذروة الانحلال الأخلاقيّ العالميّ، وأولُ إهانةٍ وجهها الغربُ المهيمن عالميًا كانت إلى مفهوم الحرية بذاته، فسقط الإنسان أمام ناظِرَي الإنسان نفسه. هنا انبثقت الحاجة إلى بعث الذات واستعادة الحرية المفقودة، فبدأت الذات العربية الحوَران والدوران حول نفسها.
يجب أن يصبح العلمُ بذاته عندنا أهم من المعلومات التي بين يدينا.
فالأساس في المفهوم عُمْرُه المعرفي المعيش، وليس خلودُه التاريخيّ الظنيّ.
القرار هو وعي حدود الممكنات في الأرض الموات، لأن وعي الحدود يوضح إمكان تحقيق الهدف.
من هنا نستقرئ مظاهر وعي الممكن في نموذجين فلسفيين عربيين راهنين، واحدٌ مغربيٌّ يستشكِلُ التفلسُف وآخر مشرقيٌّ يستشكِلُ الذاتَ في تفلسفها، لألفت إلى إشكالٍ في نوعية التفلسف العربي المعاصر.
فلسفة المشرق العربيّ، تُقرَأ من الذات التي تُنشؤها. والفيلسوف في المشرق عليه أن يتّجه نحو إمكان الفعل، بتنظير هادئ يطرح الممكن العمليّ في بنية الوعي نفسه؛ عليه استعادة التنظير من سلطة التطبيق المميت.
2 – الممكن السياسيّ
ماذا يعني أن تكون كائنًا سياسيًا عربيًا اليوم؟ كيف تتحقق ممكنات العلم والأخلاق والجمال، بإدارة جديدة؟ كيف ننتقل من السياسة الدينيّة العقائديّة للمجتمع إلى السياسة المدنيّة لعقائد المجتمع؟ متى نؤمن أنّ الحاجة إلى الاجتماع البشري تعني الحاجة إلى أفكار المجتمِعين وأذهانهم وأجسادهم الحرّة؟ متى يصبح الانتماء الوطني قيمةً عليا، تحفظ البلاد من استقبال الاحتلال؟ كيف نبني العدالة التي تزيل هذا الشعور بالغُبن الوجوديّ، كي لا نضطر إلى فقدان الأمان الاجتماعيّ بسبب الأوهام والأحقاد القاتلة؟ هنا، نبدأ السياسة!
و لو وضعنا لوحةَ الواقع أمام الفكر لوجدنا: فكرًا سنِّيًا أسَّسه الإخوان المسلمون وتوابعهم، فكرًا شيعيًا وعلويًا برز مع بروز الخميني في إيران، فكرًا مسيحيًا قوميًا برز في لبنان وجنوب السودان، فكرًا كرديًا برز في العراق وسوريا، فكرًا أمازيغيًا برز في المغرب العربي، وهكذا. إن هذا التنوع الفكري، ليس غنى حضاريًا في الوعي التحديثي لأبناء هذه المنطقة والعالم، بل هو حالة نكوص هُويّاتي تقذف بصاحبها في غياهب الوهم.
السياسة العربية اليوم لا بدّ من أن تفكِّر في إلغاء جدوى السلاح والمليشيات والذهنيّات الأقلويّة، فتكون سياسة بناء مجتمع المعرفة.
3 – الممكن الديني
لماذا نحن مسلمون في القرن الواحد والعشرين؟ هل للعلم علاقة بتديننا نحن العرب، أو بتديُّن الـ أنا العربيّ الفردي، أو بتدين الذات في مكان عربي، أو بتدين الذات العربية في أيّ مكان ؟
إنّ اللحظة التي تسمح لنا بالتفكير في الحاجة إلى الدين هي لحظة إمكان الفلسفةِ، ا وإعمالها في الذهن العربيّ الواقعيّ. ذلك أن ما نسميه دينًا اليوم،
الدين اليوم يحددُ الهُويَّة الخاصة، ويحدد سياسة الدولة وأحلافها، ومتى يجب أن يكون الآخر شيطانًا ومتى يجب أن يكون حليفًا، وكل ذلك يحدث ضمن تبريرٍ إيمانيٍّ وثيق في نفوس المؤمنين.
إن إمكان التنازل عن مظاهر الإسلام المتصارعة، سيكون مفعِّلًا أساسيًا لمنهجٍ تجاوزيّ يؤسّس للمفهوم المتعالي للعقل العمليّ النقديّ، بدل الانخراط العشوائي في التطبيق المجاني للمفاهيم الموجودة.
هذا التوجه الجديد في تعظيم المنافع المتبادلة بين رجال المال ورجال السياسة، وفي تفسير تزايد البطالة وتراجع الحماية الاجتماعيّة لأفراد الشعب. وإجمالاً هذا يدعم الاعتقاد بأنّ الغاية من العمليّة الديمقراطية هي خداع الشعب. وقد بيّن أفلاطون مخاطر اهتمام رجال الحكم بجمع المال واقترح ضرورة ألا يتمتّعوا بالحقّ في الملكيّة الخاصّة.
ثانياً، الشّعبوية حيث يميل المرشّحون من أجل كسب الأصوات إلى تبنّي خطاب متدنٍّ يُغذّي مشاعر العنصريّة والكراهية لدى المواطنين، ويسرف في إصدار وعود تفتح شهيتهم للاستهلاك وحبّ المال.