اعترافات.. سامحني كنت مخطئا

خالد رمضان | كاتب تربوي مصري
جُبل الإنسانُ على الخطأ، والنسيان، فكلنا خطاؤون، فلا عصمة إلا لنبي، ولا كرامة إلا لولي، ولا عيب أن يركب الإنسان أمواج الخطأ وتقذفه يمنة ويسرى حتى يشعر أنه هالكٌ لا محالة، وفي خضم هذي الأمواج المتلاطمة من الأخطاء والٱثام تأتيه العناية الإلهية فتنتشله من أعاصير اليأس، ومهالك العصيان .
إن أخطاءنا في حق الٱخرين نلقيها في صدورهم بقصد أو دون قصد فتكون كالبذور الصغيرة لا وزن ولا قيمة، ولكن مع مرور الزمن تنمو هذه البذور حتى تستفحل جذورها، وتقوى سيقانها فيصعب، بل قد يستحيل اجتثاثها أو اقتلاعها .
فالأب يخطئ في حق أبنائه فيهمل تربيتهم، وينشغل بقوتهم ومعاشهم، وهو على يقين أنه يؤدي رسالة سامية، وكأن هذه الرسالة هي توفير المأكل والملبس والمسكن فقط، وقد يمتد الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك فيفرق بينهم في إغداق مشاعره، وعطاءاته، فقد جلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم-  مع رجل فدخل عليه ابنه، فهش له وبش، وقبله، ثم أجلسه على رجله ، وبعدها دخلت ابنته فهش لها وقبلها، ثم أجلسها بجواره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمَ لم تسوِّ بينهما؟
ناهيك عما نطعمه أبناءنا، وأزواجنا، ومصدر هذا المال .
إن اعترافنا بأخطائنا في حق غيرنا، أو في حق أنفسنا عمل نبيل ينم عن سماحة نفس، وطيب قلب.
قال لي ابني الصغير : أتذكر يا أبي إذ ضربتني على وجهي بعنف حين قذفتك بالملعقة على أنفك؟ أنا لا أنساها يا أبي ، ويقولها بكل براءة، فتملكني الندم، والإشفاق عليه.
سامحني يا بني (كنت مخطئا)
حين تسرعت في بعض أحكامي، وأطلقتها كالسهم نحو الرميّة بلا تأنّ ولا روية، ثم أيقنت بعدها أنني أصبت بريئا، أو برأت مسيئا (كنت مخطئا).
حين أطلقت عناني للعصبية، وكانت لي شر البلية، فكأنها النار التي لا تنطفئ، أو اللهيب الذي لا ينخمد، ثم أدركت بعدها أن الأمر كان أهون، وأن اللين كان أثمن.

(لقد كنت مخطئا)
حين رفعت صوتي يوما ما على أبي أو أمي عن عمد، أو دون عمد في لحظات تملكني فيها شيطاني، وأثار حفيظتي ووجداني، ثم تعوذت بالله من وساوسه، وٱثامه فأهويت على أقدام والديّ ألثمهما حبا وعرفانا.

(كنت مخطئا)
حين قسوت على زوجتي، أو أهملتها بالساعات الطوال وأنا خارج البيت بحجة العمل، أو الأصدقاء حتى كأنها من سقط المتاع، وقلما أهديتها أو سامرتها أو داعبتها أو شكرتها على جُهدها ، وجَهدها في خدمتي وخدمة أبنائها، عذرا زوجتي الحبيبة .

(كنت مخطئا)
في حق نفسي أسرفت، وأفضت، عصيت وتماديت، حتى مرت بي الأيام والسنون وكأنها لحظات برق خاطفة لا تكاد تشعر بها، يا نفسي (كنت مخطئا)
وفي حق ربي، حين ضعفت همتي، وقلّت أوبتي، وتناسيت توبتي حتى تفلت كتاب الله من بين يدي، فنسيت ما حفظته، وضاع ما فقهته، ولم أجارِ الصالحين، ولم أنافس العابدين المجدين، ولم أستزد من علوم الدنيا، أو علوم الدين (كنت مخطئا)
لابد أن نفتش في أنفسنا ، كم أخطأنا في حق غيرنا، أو أهلينا ، أو جيراننا، أو أصدقائنا، أو زملائنا.
إن اعترافك بخطئك هو بوابة الصفح والغفران، فما أجمل ألا تجد في نفسك غضاضة أن تعترف بأخطائك، فتمحو البغض والضغينة من نفوس الٱخرين ، وتقبل عليهم بنفس راضية، وبقلب مطمئن لا يحملون لك حقدا ولا غلا ، فتصفو نفسك، ويهنأ عيشك، ويرضى عنك ربك، فالنفس المطمئنة أرقى النفوس .
جعلنا الله وإياكم ممن اطمأنت أنفسهم، ووكثرت محامدهم، ورضي عنهم خالقم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى