اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة
بقلم: عفاف عمورة ـ برلين
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993 م الإعلان عن القضاء على العنف ضد المرأة، لأنَّه يتضمن جميع أعمال العنف والترهيب. الموجهة ضد المرأة كجنس أنثوي، وتسبَّب أو يحتمل أن تسبِّب أذى نفسية للمرأة، أو معاناة ًجسدية،أو معاناة جنسية ،بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال أو الحرمان التعسفي من الحرية أو الإكراه القسري، سواء في الحياة الخاصة أو العامة.
كما أنَّ العواقب السلبية الضارة للعنف تؤثر على المرأة في جميع مراحل حياتها الجنسية والنفسية والإنجابية، إضافةً لوجود حالة نقص التعليم في الفترة المبكرة من حياة المرأة، بخاصة وأنَّ الفتيات لهن الحق في التعليموالتحصيل العلمي. ونتيجة ضعف التعليم الذي ساهم في الحد من وصولها إلى مرحلة التعليم العالي أدى بالتالي إلى محدودية وجود فرص العمل للمرأة وتواجدها الفاعل في سوق العمل.
على الرغم من أنَّ العنف الممارس في العالم على معظم النوع البشري الاجتماعي، والذي يمكن أن يؤثر على أي شخص في المجتمع، في أي مكان من العالم، فإنَّ بعض خصائص المرأة ومميزاتها، مثل تفضيلاتهن الأنثوية الجنسية، ووجود إعاقة أو حواجز أصلهن العرقي الإثني، إضافة إلى العديد من العوامل السياقية، كالأزمات الإنسانية، بما في ذلك النزاع الأسري ،وما بعد الصراع الدائر بين الأفراد. يمكن أن تزيد من تعرّض المرأة للعنف المتزايد.
تفيد قوانين ومواد حقوق الإنسان بمواقفها الرافضة والمتشدّدة لممارسة العنف ضد النساء والفتيات، وتعتبر أحد أكثر انتهاكات لحقوق الإنسان انتشاراً في العالم اليوم، كما أنّها لا تزال من أقل الحوادث والنزاعات التي يتم الإبلاغ عنها بسبب محاولات الإفلات من العقاب. كما تلوذ الكثيرات بالصمت إذا تعرّضن للاعتداء الجنسي خوفاً من الشعور بوصمة العار، لذا فإنَّ الضحايا من هذا النوع تزداد يوماً بعد يوم.
الجدير بالذكر أنَّ العنف ضد المرأة يشمل العنف الجنسي والنفسي والجسدي والذي يتمثل بالعنف النفسي وقتل الإناث، والضرب والاغتصاب الزوجي. إضافةً إلى حالات التحرش الجنسي والعنف الذي يتضمن الأفعال الجنسية الإجبارية،في البيت وأماكن العمل، والاعتداء الجنسي على الأطفال والقاصرين، والتحرش في الأماكن العامة، والمضايقات الجنائية، والتحرش الإليكتروني، والزواج بالإكراه، والزواج المبكر، وتشويه الأعضاء التناسلية للبنات بالختان. كما يتضمن العنف ضد المرأة ممارسات اجتماعية لها علاقة بالصراع الطبقي الذي يعتبر المرأة أدنى من الرجل في الحقوق والواجبات وممارسة العنف وكل أشكال القهر في حقها.
إنَّ تكريس اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة وتخليده، يجعلنا نقف عند العديد من المحطات التي تؤكد المرأة من خلالها أنها تساوي الرجل في وجوده وكينونته ،وتساهم بشكلٍ فعّال في إعادة وإنتاج الحياة بشكلٍ مباشر للإنسان. وهذا ما يمنحها المكانة الكبيرة واللائقة بها، والتي كانت تحظى في الحياة البدائية بكامل التبجيل والتكامل والتقدير والاحترام، وحيث تجمع كافة الأبحاث والدراسات الانثربولوجية والسوسيولوجية، أن غياب السلطوية الحاكمة والتمايزات الطبقية والانقسام العمودي في المجتمع البدائي كان أصل الحظوة التي تمتعت بها المرأة منذ الصيرورة الأولى للتاريخ وعبر سيرورته في هذه الحياة الأولى. ويمكننا المراجعة في هذا الصدد العديد من الدراسات المتخصصة التي كتبها عالم الأنثروبولوجيا والمنظِّر الأمريكي لويس هنري مورغان، والفيلسوف البروسي فريدريك انجلز حول تماسك المجتمع البدائي قبل انقسامه مع ظهوركتاب أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة .
الجدير بالذكر أنه في العقدين الماضيين أي في شهر تشرين الأول من عام 2000 م، كان قد صدر عن مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1325 بخصوص المرأة والصراعات. حيث استند على الدور الذي يمكن أن تقوم به المرأة في مجال بناء السلام وتحقيق الأمن والأمان على الصعيد الوطني أوالعالمي، بخاصة أنّ النساء من الأكثر تضرراً في أثناء الحروب والصراعات الدامية المسلحة. لقد تضمن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي العديد من الإشارات حول المرأة بأنها تحتاج إلى قرون عدّة لتحقيق التكافؤ مع الرجل وأزالة الفوارق بينهما. وفي العام 2010 م تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأسيس وكالة جديدة خاصة بالمرأة، هدفها التأكيد على مبدأ المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، بخاصة التحكّم بالموارد البشرية، والمشاركة الفعّالة في صنع القرار، والإفادة في ذلك في عملية التنمية المستدامة، وشرعت الوكالة الجديدة بمباشرة عملها في شهر كانون الثاني عام 2011 م. وأثارت إتفاقية سيداو وبعض أنشطة وكالة هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة، إشكالات عدّة تتعلّق بالحق في الإجهاض وفي مفهوم الأمومة، ومفهوم الصحة الإنجابية وشكل الأسرة وتكوينها، بخاصة في مجال العلاقات الخاصة بالجنس المثلي، وتشمل الرجال والنساء والذين يعيشون معاً بلا زواج، أو النساء اللواتي ينجبن الأطفال سفاحاً خارج إطار التشريعات الدينية، ويحتفظن بهم وينفقن عليهم تلك العملية تمت تسميتها بــ (الأسرة ذات العائل المفرد أو الأم المعيلة) بما يؤثر بشكلٍ لافت على الأنماط الوظيفية المعهودة للأم والأب في الأسرة. واعترف تقرير كانت قد أعدّته وكالة المرأة في هيئة الأمم المتحدة عام 2004 م بشكل رسمي ﺒــ (المثلية) وحماية حقوق هذه الفئة من الناس، والسعي لقبولها من المجتمع، واعتبر ذلك تعبيراً عن المشاعر الإنسانية الداخلية ودعماً لتعليم الممارسة الجنسية بمختلف أشكالها الطبيعية والمثلية، وهو استمرار للموجة التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي التي ارتفعت فيها فكرة (النسوية)، التي روّجت بشكلٍ كبير لحق المرأة في امتلاك جسدها والتحكّم به كما تشاء دون ضوابط شرعية دينية، باستبطان الإباحية الجنسية، بخاصة وقد رافق تلك الفترة ظهور حالات عديدة للأمهات غير المتزوجات وأغلبهنّ في أعمار المراهقة. وأثارت تلك الدعوات ردود فعل كبيرة رافضة في العديد من البلدان العربية والإسلامية التي تحفّظت على بعض مواد اتفاقية سيداو، بخاصة تلك التي تتعلّق باختلاف الثقافات والتعاليم الدينية والنواميس الأخلاقية، فالمجتمعات العربية والإسلامية بشكلٍ عام تعتمد على الأسرة كشكلٍ وحيد هام وضروري باعتبارها نواة متماسكة لبنية المجتمع، وهي وإن تطلّعت إلى مساواة في الحقوق بين المرأة والرجل على أساس (الكرامة الإنسانية)، كما ورد في القرآن الكريم، إلّا أنَّ الرؤية التي تسعى بعض المنظمات الدولية جاهدةً فرضها على العالمين العربي والإسلامي من الأعلى لا تنسجم أبداً مع تقاليده وخصائصه وأسس دينه وعاداته، وهي خصوصية ينبغي مراعاتها بشكلٍ مناسب، وعدم إهمالها أو القفز فوقها، لأنها ستخلق العديد من ردود الأفعال الشديدة جداً، قد تستغلّها القوى المتطرفة والمتعصّبة التي تسعى إلى استخدام الدين لأغراضها السياسية الأنانية الضيقة الخاصة بعناصرها القيادية، من خلال فرض وجهة نظرها وطرح رؤيتها المتخلّفة عن المرأة بشكلٍ خاص، وقضايا الحريات والحقوق بشكلٍ عام بذريعة معارضة بعض نصوص اتفاقية سيداو، ووجهات نظر وآراء بعض المنظمات الدولية والغربية لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وبالتالي سيكون ذلك في غير صالح حقوق المراة ومساواتها مع الرجل بكل تفاصيل الواقع القانوني والتشريعي من خلال فهم خصائص كل جنس على حده، ومعرفة قدراته ومهماته على الصعيد الاجتماعي في الإدارة والسياسة والعمل والتشريع والبرامج والمجتمع. إنً معاناة المرأة والاستمرار في فرض العنف عليها تمتدّ إلى جميع تضاريس خريطة العالم الواسع، ففي تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي أشار بوضوح إلى أنَّ المرأة تحتاج إلى عدة قرون لتحقيق التكافؤ مع الرجل، وهذا الأمر يتعلّق بمجال التعليم والصحة والتمثيل السياسي والفرص الاقتصادية، والحرية، والديمقراطية والمساواة بشكلٍ عام. وكلما كان الحديث عن البلدان النامية ازدادت الصورة سوداوية، بخاصة في ما يتعلّق بالحرمان والجوع والفقر والعقبات الإجتماعية وفقدان الحريّة وازدياد التخلّف واستخدامات الدين واستحقاقاته واستطالاته السياسية خارج سياق بناء الوطن والمواطنة، وكل ما يقف حجر عثرة أمام تحقيق التنمية البشرية المستدامة المنشودة .