أدب

أوراق الخريف.. ساحرة النيل (٣)

بقلم: شرين خليل
كان الصوت مرعباً للغاية ويبدو أنه صوت إمرأة تستغيث. نظرت جدتي من خلف النافذة ورأت بالفعل إمرأه فتحت جدتي النافذة ووجدت أمي وأم صلاح جارتنا الصوت المرعب كان صوت أم صلاح فهي التي كانت تستغيث ولكن لماذا تستغيث ام صلاح؟وماذا تفعل معها أمي؟ الأمر حقاً مُريب. نادت جدتي على أمي وقالت لها: إيه الحكاية يا سيدة في إيه؟
-ما تقلقيش يامه أنا بس بعلمها الأدب..
– إيه يا بنتي بس اللي حصل طمنيني وإيه اللي مسكاه في إيدك ده؟
-ده حبل عشان اربطها في البوابه والإيد الثانية دي فيها المنجل عشان أحش رقبتها زي ما بنحش البرسيم.. -استهدي بالله يابنتي وفهميني بس اللي حصل والست دي عملت إيه..
– جايه تتجسس علينا يامه ومش بعيد تكون جايه تولع في المحل تاني زي ما عملت قبل كده..
-هو انت يابنتي مش كنت نمتي؟
– كنت نمت يامه بس جالي إحساس إن في حاجه هتحصل قمت أبص على البيت ما إنتي عارفه إن أبو إسماعيل بيجي يزورنا كل يوم وهو اللي خبرني إن في واحده بتلف حوالين البيت وعشان كده اتسحبت من غير ما تحسوا بيا ونزلت ولقيت الست هانم واقفه بتتجسس علينا..
– خلاص يا سيدة سيبيها وتعالي -هاسيبها يامه عشان خاطرك بس لو شفتها هنا ثاني ولا لمحتها مش هيحصل لها طيب..
دخلت أمي علينا وهي غاضبة جداً وقالت بغضب شديد: إسماعيل إنت كنت فين امبارح انت وحامد انطق؟
-ككككننت عند….
-إنطق ..عند صلاح ابن أم صلاح بتبلعبوا معاه … وأم صلاح سألتك وقولت لها أن أبوك مش بيجي يزورنا ..وعرفتها السر بتاعنا ..
– مش أنا دا حامد اللي قال ..
– أنا هاربيكو أنتو الاتنين …
خدي فؤاد يامه وروحي الأوضة التانية وسيبي لي الولدين دول أعلمهم الأدب عشان يحرموا يطلعوا اسرار بيتنا بره الست هانم جايه تراقبني عشان تثبت للناس إني كدابه بس على مين أنا أصلاً قبل ما أنام لازم ألف حوالين البيت وبالصدفة شفتها وكويس إني شفتها .سيبيني بقى يامه أربي ولادي من الأول وجديد …
– دول بردو عيال يابنتي مايعرفوش حاجه براحه عليهم شوية..
– لازم يعرفوا ويتعلموا من صغرهم ولا عايزين الناس تشوفنا ضعاف ..
خرجت جدتي وتركتنا مع أمي التي انهالت علينا بالضرب ولم تشفع صرخاتنا وتوسلاتنا لها ..
أسوء ليلة مرت علينا من بعد وفاة أبي هي تلك الليلة التي سلبت أمي قوتنا وزرعت بداخلنا الخوف والرعب منها، قتلت طفولتنا ومزقت أحلامنا وأصبحنا بعدها خاضعين لأوامرها ..
انتشر خبر واقعة أم صلاح وتعذيب أمي لها وازداد خوف الناس من أمي ..
جاء خالي مصباح لزيارتنا فهو يختلف عن أمي كثيراً، دائماً يأتي ويحمل معه الحلوى والألعاب ويجلس يتحدث معنا ويلعب أيضاً معنا ..
بدأ يلوم أمي على مافعلته قائلاً: إنتي غلطانة يا أم إسماعيل في اللي بتعمليه..
– عملت ايه ياشيخ مصباح؟ أنا عملت الصح ..
– لا ياأم إسماعيل اللي عملتيه غلط؛ أولاً: الست ماتلبسش توب الرجال ..الست لها توبها.. ثانياً: تكدبي على الناس وتخترعي قصص تخوفهم ليه ..
ثالثاً: لازم يكون عندك رحمه بأولادك دول أطفال..
– خلصت كلامك أقولك عملت كده ليه لأن الناس وحوش ومش كلهم طيبين زيك كده يا اخويا وبعدين عاوزه ولادي يبقوا رجاله ..
أنا عارف إنك دماغك ناشفه ودايماً بتعملي اللي إنتي شايفاه بس أنا لازم انصحك بلاش تعملي عداوة بينك وبين الناس عشان لما تحتاجيهم تلاقيهم جنبك ..فاكره يوم الحريقة الناس وقفت جنبك ..
– وقفوا جنبي بعد ماولعوا في المحل بتاعي يعني يقتلوا القتيل ويمشوا في جنازته..
– أنا عارف إني مش هاوصل معاكي لحل ..بس بطلب منك تلبسي توبك وكفاية تخاريف وقصص خيالية وخدي ولادك في حضنك شوية وأنا جنبك أروح معاكي أي مكان لو حبيتي تعيشي معايا أشيلك على رأسي..
– تسلم ياخويا ..
حاضر هالبس توبي ..بس موضوع الحكايات دا خليه شويه ..
– بلاش مشاكل مع الناس يا أم إسماعيل المرة دي عدت على خير ..بعد كده مانضمنش ممكن يحصل إيه..
-حاضر ياخويا..
خرج خالي مصباح وأغلقت أمي الأبواب علينا..
أبواب الحياة والفرح ..فالحياة أصبحت مظلمة ..
لا نعرف الفرح ولا حتى الأعياد ..
حياتنا كلها عمل ومذاكرة ..
ولا نستطيع التمرد أو الإعتراض..
مرت السنون وأنهيت دراستي الجامعية..وأخي حامد رفض الالتحاق بالجامعة وقرر السفر أو بمعنى أصح الهروب من الحياة مع أمي ..
أما فؤاد فكان مسالماً للغاية ينفذ أوامر أمي بدون تردد ..
سافر حامد على الرغم من رفض أمي لفكرة السفر فالوضع المادي جيد جداً لدينا محلات ومخازن ولا يوجد داعي للسفر ..
هرب حامد من عذاب أمي لعذاب الغربة ولكنه كان يقول : نار الغربة أفضل من جنة أمي..
أما أنا فقد أحببت فتاة من قرية مجاورة لنا، منحتني الأمل في الحياة. كنت أنسى بها آلامي وأرى في عينيها مستقبلي المشرق بعيداً عن الظلام الذي صنعته أمي حولي ..
اسمها أمل وهي أمل حياتي …
ترددت كثيراً أن أخبرها ولكنها كانت تشعر بي وتبادلني نفس الشعور، أرسلت إليها زينب ابنة خالي مصباح لتخبرها بأني أريد خطبتها ورجعت زينب من عندها ومعها البشرى والخبر السعيد بأن أمل تتمنى أن أكون رفيق عمرها ..
وحان الوقت لكي أخبر أمي لكي تذهب معي لأهلها ولكني أخاف أن ترفض ويظهر ضعفي.
لم أجد أمامي إلا خالي مصباح ذهبت إليه ووعدني أن يتحدث مع أمي ويذهب معي لخطبة هذه الفتاة ..
وبالفعل تحدث مع أمي والغريب أنها لم تعترض ووافقت وذهبنا لخطبة أمل وكانت المفجأة المحزنة :

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى