خُذيني إليكِ
فايز حميدي
-١-
يَا رَفيقةَ الحُزن
يَا نَخلتي البَاسقة التي تَنبُضينَ بالثِمارِ
وأنتِ تَسعينَ نَحوَ الكَرَامةِ والعَدالةِ والحًياةِ
مُتبلةً بماءِ الحُزنِ
مَكلومةَ الرُّوحِ
مُثخنةَ الجِراحِ
حِينَ أغمضُ عَينايَ يَلبسُني
السّكونُ المَعطوب
واستحضرُ الزمانَ والمكانَ تحتَ رَماد الذَّاكرةِ
جُرأة الحُلمِ
وترانيمُ الشَّجنِ
وأزمنةٌ الهَذيانِ
جُنونٌ يَغتالُ المدينةَ والموتُ يُراوغني
وضِباعُ الليلِ تُهرولُ مُستبيحةٌ دمُّ الأريامِ*
قلبي يَحنُّ إليكِ يَا جُوريةَ الشَّام
يا عامرةً بالآسى والألغاز والأحلام
أيَامُنا أمستْ غُرابية الجناح
وأمُّنا توحدتْ مع الهاويةِ
وما عادتْ تَصلحُ إلا للضياعِ
والعالمُ المَجنون من حولِنا يَنهارُ
وتيهُنا يَملأهُ الظَلامُ !!
وللطائر المُهاجر حلمٌ معلقٌ كدمعةٍ ،
وَجرحٌ ، وجمرُ الانتظارِ ..
وللطائر العَائد إقبَال الليلُ
وإدبار النَّهار
وَهجيرُ القيظ فوق الرُّكام ..
سَقانا الزَّمان كأسَ المُرِّ مَوصولَ الجِراح
يَا جوريةَ الشَّام
الظمأُ في رُوحي
والماءُ الزّلال في راحتيكِ
متى يَتوهجُ الأفقُ ويبتسمُ الصَباحُ ؟!
يَا فاتنتي
ماذا أفعلُ برفاتِ قَصيدتي في
خريفِ الوطنِ المُباح
إذا ما سَكنت ِفي ساحةِ النِّسيان
وَعضني اليأسُ
وَالألمُ
وَغدر الزَّمان ؟!
قالوا الإختلاف هاويةً لا تُبقي
ولا تَذِرُ !!
أصمتُ لحظةً ثم ابتسمُ
بالله قُولي كيفَ نَختلفُ ؟!
أنتِ كاظمية الهَوى تُحبين زَهرَ اللوز
وأنا فيروزي الحنين أعشقُ زهرَ الرُّمان
-٢-
خُذيني إليكِ يا جُورية الشَّام
يا طفلةَ الرّوح وَهيفاءَ القدِّ
أشربُ صَوتكِ
وأحضنُ عِشقَكِ
وأنزعُ من روحي ثيابَ الحِداد
وينامُ اليمامُ
خُذيني إليكِ
هُناك في بلادِ الموتِ جوعاً
والنبضُ المُتعبُ
كلُّ شيءٍ قد ضَاقَ حتى البَدن !!
لا وقتَ للأفراح
لم يبقَ شيئاً
لا غَنيمة سِوى الخَراب
نارٌ وجوع
وجراحاتُ النَّهار
وأكوامُ رماد
وأرقُ الليلِ وَزمهرير الشِّتاء
الحربُ أنزلتْ ستارتها السَّوداء
مُسورةً بالنشيجِ
والعدلُ غَاف ٍ
والحقُّ مَوؤدَ الضِّياء
خُذيني إليكِ
حَاضِرنا شَقيٌّ ، سُرمديُ الآسى
وفرحُنا شَاحبٌ ، والهمُّ مُطبق
نُصغي لشيءٍ ونبصرُ سِواه
يا للمهانة
والفجورِ
والهوانِ
وباءٌ قد استشرى :
الوراءُ هو الأمام
والمَخفي يُخيفُ في بلادِ العرب
والقتلةُ يَعيثون فساداً في البلد
مساجدُنا تزدادُ وفضائِلنا تَنخفض !!
خُذيني إليكِ
وامسكي بيديَّ وَعانقيني
لتستيقظَ عصافيرُ الذِّكريات
وَتنمو وردةُ الصَحراء
وتشرقُ شمسُ الصَباح
وأمزقُ رداءَ الغُربة البالي
وذلّ الإغتراب
وألملمُ شَظاياي
وأكونُ لكِ شجرةً وارفةَ الظِّلالِ
تُراباً سَقتهُ السَّماءُ ماءً فَبادلها برائحتهِ المَحبة والوَفاء
خُذيني إليكِ
الحبُّ يُزهرُ بين يديكِ
وَيضيءُ فَجراً وَيغشاهُ بهاء
وبعض ألوان السَّماء
خُذيني إلى حدودِ الوردِ
لأضعَ بين يديكِ حفنةً من فرحٍ
وحقلاً من الياسمينِ …
** ** **
*الأريام : جمع ريم ( الغزال ) .
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية )