اصطحاب
بقلم: عبد الغني المخلافي
سآخذك في هذه الليلة الباردة إلى مقهى يبعد عن مسكنك بكثير ، سيروق لك جدا، فأنت ممن يفضل هذا النوع من المقاهي التي يرتادها المثقفون والفنانون، كيف لا وأنتِ شاعرة حداثية ومن أنصار قصيدة النثر. سنختار مجلسنا في زاوية من زواياه، ربما تحدثنا فيما لا يخص الفن بالرغم أنني لا أفضل الخوض في مواضيع أخرى ، فدائما أتحدث في الفن؛ لا بأس إن تطرقنا بحديثنا إلى المثقفين والفنانين المصابين بداء الحسد، والغيرة، والغرور والتعالي؛ المليئين بالعقد المركبة، فما أن تجلس مع أحدهم حتى تنبعث منه رائحة عقده .لا أدري ما هذه الآفة الخطيرة المتفشية، في أوساطهم . أظن لولا أنكِ حبيبتي ما بقيت ملتصقة بي إلى هذا اليوم ، فقد صادقت شعراء، وشاعرات، بعد ذلك صارت صداقتي معهم كأنها لم تكن . ما علينا الآن من هذا كله. لا مانع من الإسراف في تعاطينا للقهوة ، سيفتح لنا آفاقًا للنقاش وسيجعلنا نبوح بأشجاننا ، عند استماعنا للأنغام التي توافق ذائقتنا. فالمقهى يكاد يكون مقتصرًا على أهل الفن، سنجد شخصيات ثقافية و فنية تملأ مقاعده. كلهم يتحدثون بصوت خافت ، فلن تسمعي صخبًا أو شجارًا في أرجائه ، عدا همسات متداخلة مع اندياح الموسيقى والأضواء وتضوع روائح المشروبات في فضائه.قد يمتد بنا المكوث إلى وقت متأخر، لن تعودي إلى منزلك قبل أن تذهبي برفقتي إلى نزلي في ذلك الحي المزدحم بالمباني فأنت تعرفينه حق المعرفة ، فلكم اشتكيتِ السكارى المتسكعين في أزقته الملتوية إلى حيث مسكني الحميم؛ كما تسمينه دائما. فهناك من يعتبرونه قبوًا للكتب. فنحن محبي الأماكن الملهمة والمقترنة بالفن؛ لم نعد نحتمل البقاء مع من لا يقدرونَ الفن ولا يمتونَ له بصلة .وإن حاولتُ سرعان ما أشعر بالضيق والملل، فأجدني قد أنسحبتُ متذرعًا بحُجةٍ ما. عليكِ أن تتحصني بفروكِ الوثير حتى لا يتسرب الصقيع إلى خلايا جسدكِ، أحبُ أن أراك بذلك المعطف الذي يلف تقاسيم أنوثتك الجامحة، أشعر بالدفء وأنت ترتدينه، ضعي قفازك، ثم ارتدي جزمتك الشتوية الطويلة لتحمي ساقيك الجميلتين من لسعات البرد. أما أنا فقد أعددتُ عدتي لمواجهة هذا الشتاء القارس . فشاعرة مثلك تتنفس القصائد وتجنح بي إلى عوالم المعرفة ؛لهي نعمة كبيرة. سنمكث معا لأسبوع ،إن لم يمتد إلى أسبوعين أو أكثر، فعندي لك أحاديث مثيرة، وحكايات مدهشة ونصوص كتبتها في غيابك، و بعض من الدعابة،وكثير من الغزل. فأنا ظمآن إليك،لا أقدر على البقاء من دونك ، مدة طويلة وأنا غارقٌ في القراءة والكتابة، أريدُ أن أخرجَ من هذا الروتين اليومي الذي استنزف حواسي وأنهك نفسي، أبحث عن وسيلة لكسره ، ويصفو ذهني، ويتجدد نشاطي، وأعود كما كنت بحماس. أردت لقائي بك في فصل الشتاء، الذي أشعر فيه بالضياع والتشرد، ويجعلني محتاجًا إلى الأنثى ، ومن تكون سواك . هذا فلا تنسي أيضًا أن تحضري مظلتك الأنيقة، أخشى أن تسقط فوقنا ندف الثلج بغزارة.