بقلم: خلدون عماد رحمة
على قحطِ هذا الزمانِ ولدتُ
وسرت على عطشٍ مسَّني
من عميق الترابْ
فكنت عشيقَ المياه وسر منابعها
سئمت أغاني اليبابْ
أنا من صرختُ بوجه الصحارى
مراراً
فلنْ تعرف الماء إلا إذا جفَّ فيك الرِّضابْ
إلى بحرةِ الماء قلبي يحنُّ
إلى رقصها المتلألئِ تحتَ
قميصِ الهضابْ
إلى عرسِهَا وانتشاءِ
الخيولِ تعودُ من الرَّكض فوق
سيول السحابْ
أحنُّ كطفلٍ يتيمٍ تعذبه الذكرياتْ
أحنُّ
إلى رعشةِ الانبعاثِ المضيء
بأجسادِ أسماكِها
وانفلاتِ الطيورِ تزقزقُ لحنَ قصائِدنا
وتطرِّزُ شال اللغات القديمةِ فوق
أديم الحياةْ
هواءٌ يرقِّص دمعَ الغيابْ
يلوِّن نار عشيقين ناما حفاةً وراء
انهمارِ الضبابْ
وإني لأبعثُ سرِّ دمائي
إلى نملةٍ تحرسُ الصخرَ وسطَ المياهِ
من الاغترابْ
لعلِّي أعودُ قبيلَ غيابِ الجسدْ
إلى ولهِ الاغتسالِ منَ
القفرِ والانتحابْ
أحنُّ وكلِّي حنينٌ يفيض حنينْ
أحنُّ
إلى طينها الرعوي
مداسُ النَّبي
يعمِّدُ بالمعجزات صميم الشعاع
ويلجم لسع العواصفِ بين الشهوقِ
وبين الكهوف ورعش الوجوه وذعرِ الكلامْ
أحنُّ إلى قلعةٍ تحفظُ السرَّ في رقصاتِ الحمامْ
أحنُّ إلى كوبِ شايٍ برفقة آلهةٍ تترصَّع بالمفردات العتيقةْ
أحنُّ لرجفةِ نايٍ لأبصرَ
حلماً يُبَثُّ بلونِ الحقيقةْ
رغيفَ الطفولة
طيفَ أبي الطيب المتنبي
يكسِّر عكَّازةَ الليل ثم يطير
طقوسُ البخارِ المُعافى بسفحِ الجبلْ
قِباب القُدامى وما فوقها من هواء رطيب
سطوحُ الكنائسِ تعبق بالخفقان وسحر المجاز
عراءُ المراكبِ تعرق سارحة
عند شط الحنين
رملٌ على السور يحكي
تواريخ من رحلوا واقفين
أحنُّ وكلِّي حنينٌ يفيض حنينْ
أحنُّ
إلى خيط صِنَّارةِ الجدِّ حينَ ينامُ
على زغرداتِ الخشبْ
ودنٌّ يرتِّلُ ذكرى الخمورِ
على هسهساتِ الحطبْ
إلى بحرة الماء قلبي يحنُّ
إلهي لماذا رمتني رياح السمومِ
إلى نائياتِ الجفافِ
وكل القوافلِ مرَّت أمامي
وألقتْ برأسي حريق المنافي
على بحرة الماء ظلي يئنُّ
وصوتي بصمتِ هواها يرنُّ
أنا لن أغوص بهنأة نومٍ
وشوقي علي يزنُّ
إلى بحرة الماء قلبي يحنُّ