أدب

تلك البوارق

شعر: العلامة ابن عديم | تشطير: هلال السيابي

من قصيدته المطولة والذائعة الصيت (تلك البوارق)، وإنما شطرنا مقدمتها في الحنين والشكوى.


“تلك البوارق حاديهن مرنان”
والأفق طلق، ووجه الدهر نعسان

***

كأنما هي في آفاقها شهب
“فما لطرفك ياذا الشجو وسنان”

***

“شقت صوارمها الأرجاء، واهتزعت”
فما درى الناس إلا أنه الشان

***

وأسرعت تتهادى في مسالكها
“تزجي خميسا له في الجو ميدان”

***

“تبجست بهزيم الودق منبعقا”
فالأرض أودية منه وخلجان

***

جرت سحائبه طوفانَ مرحمة
“حتى تساوت به أكم وقيعان”

***

 “سقى الشواجن من رضوى، وغص به”
بيد وسوح وأكناف وأرعان

***

وغصٌَ منه على الطافه، وزها
“سر وجوف، وغصت منه جرنان”

***

“وجلل السهل والأوعار معتمدا”
غُلبَ الديار، وما أدراك ما الشان

***

وجال فوق ذرى الفيحاء مشتملا
“ربوع ما ضم عندام وجعلان”

***

“وراث ينضح ‘للجرداء’ ساحتها”
وسال منه بنجد الورس هتان

***

وعم منه بأعلى النجد هاطله
“وطم ما ردٌَ صفنان وصحنان”

***

“يريق في الجو منه ريق هطل”
زهت به ثم أفياء وأفنان

***

كأنما هو من زهو ومن ألق
” في لوحه من سناء البرق ألوان”

***

“إن هيج البرق ذا شجو، فقد سهرت”
له الضلوع، وهدٌَ القلب وجدان

***

وبات جنبيَ موٌَارَ الأسى، ونبت
“عيني، وشبت لشجو النفس نيران”

***

“وصيٌَر البرق جفني من سحائبه”
حتى كأن جفوني منه وديان

***

يسيل جفني على ايماضه ديما
“يا برق حسبك ما في الأرض ظمآن”

***

“إني أشح بدمعي أن يسح على”
هُونٍ، ولو أنه بالوجد يزدان

***

لكن دمعيَ يأبى أن يسح على
“أرض، وما هي لي يا برق أوطان”

***

“هبك استطرت فؤادي، فاستطر رمقي”
فإنه لضفاف الواد حنٌَان

***

“واذهب بروحي -وإن باتت معذبة-”

إلى معاهد لي فيهن أشجان

***

“تلك المعاهد، ما عهدي بها انتقلت”
وهل تزلزل أطواد وكثبان!!

***

فما لشوقي اليها كاللظى لهبا
“وهن وسط ضميري الآن سكان”

***

 “نأيت عنها، ولكن لا أفارقها”
فإنني بمغاني العز ولهان

***

أقول للنفس أن عز الزمان بها
“بلى كم افترقت روح وجثمان”

***

“وكيف أنسى عهودي في مسارحها”
أيام غصني رطيب، والهوى حان

***

ياليت شعري أأنساهن مع ولعي
“وهن بين جنان الخلد بطنان”

***

“أم كيف يمكن سلواني فضائلها”
وهل يطاوع سلواني بها الشان

***

ومن لنفسي بالسلون عن كبدي
“نعم لدي لذا السلوان سلوان”

***

“معاهد شاقني منها محاسنها”
كأنما ائتلقت في الجو شهبان

***

يمور شوقي إليها، وهي في خلدي
“إن شاق غيريَ آرام وغزلان”

***

“لها على القلب ميثاق تبوء به”
وعهد عز، وإيمان وإحسان

***

يبوء قلبي إليها، والهوى أنف
“إن باء بالحب في الأوطان إيمان”

***

“نزحت عنها بحكم لا أغالبه”
وللمقادير أحكام وأوزان

***

فبتٌُ عنها بعيدَ الدار عن قدر
“لا يغلب القدر المحتوم إنسان”

***

“كأنني واغترابي والغرام بها”
شاد من الورق والألحان ألحان

***

أو أنني صرت من شوقي ومن كمدي
“حي قضى خلفته بعد أحزان”

***

“هي النوى جعلتني في محاجرها”
نابي المضاجع، والأشواق ألوان

***

أسير في الناس مأسور الخطى قلقا
“مثل الخيال، وروحي ثم جثمان”

***

“أعيش في غربة عيش السليم على”
حال لها من جنود الدهر أعوان

***

لينقضي العمر مشدوه المقام على
“رغمي، وليس الى الترياق إمكان”

***

“يابرق حرك همومي إن تكن سكنت”
فإن ومضك بالألباب نيران

***

ولا تبال بإسكاني ولا حركي
“فكل حظي تحريك واسكان”

***

“ما زال ينشط بي همي وأصبره “
فالقلب في جلد، والدهر أحزان

***

أريه من جلدي برد الهوى علنا
“وناشط الهم لا تزويه أرسان”

***

“يابرق هل والحنايا من ضعاضع فالالتام”
فالغيل حيث الرند والبان

***

فالحاجران، فأعلى الواديين بها
فالنجد، فالطف، حياهن هتان”

***

“وهل ذرى القفص، فالمقراة معشبة”
وهل بمنصحَ ذات الضال قطان

***

وهل مضارب بالجرداء مورقة
“وهل قطين بعليا قاعر بانوا “

***

“عهدي بها ونضير العيش يصحبها “
وللزمان – على علاٌَته – شان

***

والمجد مؤتلق، والفضل منبلج
“والدهر في غفلة، والشهب أخوان”

***

“نشأت فيها وروضاتي ومرتبعي”
شمس الضحى، ونجوم الأفق أخدان

***

مسارحي، وطِلابي والصبا أنُفُُ
“روح الفضيلة لا رند ولا بأن”

***

“أرتاح فيها إلى خل فيبهرني”
جلاله وسناه، والهدى حان

***

وأنثني نحو أهليها فيؤنسني
“صدق وقصد ومعروف وعرفان”

***

“فحال حكم النوى بيني وبينهم”
وللنوى برجال المجد إدمان

***

تكالب الدهر عن عمد، وعن سرف
“هنا تيقنت أن الدهر خوان”

***

“حتام يا دهر لا تبقي على بشر”
كأنما أنت بالأحرار ولهان!

***

أجَلْ، وحتٌامَ لا ترعى سنا أحدٍ
“حر، وحتٌٌَامَ ضيم الحر إحسان”

***

“أكل رأيك حربي أم لها أمد”
دانٍ، فإني لما تبديه ضجران

***

أم أنت يا دهر بالادبار مقتبل
“فإن عهدي وللحالات ألوان”

***

” حُلٌَ العقال، وأطلقني إلى سعتي”
فلي الى المجد ميدان وميدان

***

إربع بضلعك، ماهذا الهوان بنا
“ففي سجونك للميدان فرسان”

***

 “يا دهر يا باخس الاحرار حقهم”
أكل شإنك إخلاف وخيلان

***

يا دهر مالك بالأحرار تبخسهم
“أعط العدالة إن الله ديان”

***

“فيمَ التٌَقصي بأهل الفضل إن تقصت”
حلاك زان بهم علم وايمان

***

إن زوحموا زحموا يا دهر، أو نقصت
“حسناك زادوا، وإن شان الورى زانوا”

***

“لا يثقلون وإن خفت عيابهم”
ولا يهابون والهيجاء نيران

***

ولا يقلون، والإقلال ذو شطط
“عن الندى، ولهم بالفعل رجحان”

***

“أخفى غبارك يا دهري محاسنهم”
وسرهم بجلال الله مزدان

***

أخفيتهم وهم الأقمار عن سرف
“فإن دعوتهم في نكبة بانوا”

***

“إن تعرف الحق فيهم لم تذد أسدا”
منهم، ولم ينتويهم منك خذلان

***

كلا، ولا رمت ذود الأسد في صلف
“عن الورود وعير الحي ريان”

……………………………………..

١٥ من ذي الحجة ١٤٤٤هجرية ٣ من يوليو ٢٠٢٣ م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى