پتاح تيكڤا פֶּתַח תִּקְוָה.. حين تُسابق اللغة الجغرافيا على الاستيطان!
بقلم: محمد عقل هلسة
يسكنني هَوَسٌ قديم في تحليل الكلمات وأسماء الأشياء وإعادتها إلى جُذورها خاصةً في العلاقة بين اللغتين العربية والعبرية التي يتجاوز إلتباسها سياق اللغة إلى السياسية والجغرافيا وغيرها. توقفت عند اسم مستوطنة (پتاح تيكڤا) التي أقيمت عام 1878م كمستوطنة زراعية على أراضٍ اشتراها يهود من سكان قرية ملبّس العربية، ولكن طبيعتها تغيرت، خاصة منذ تأسيس الدولة الصهيونية، حيث توسعت وأصبحت مدينة صناعية وجزءٌ من كتلة مُدن “غوش دان” حول تل أبيب داخل حدود فلسطين التاريخيّة قبل عام 1948. ولأن الكتابة غالباً أقدمُ وأقدرُ على توضيح خفايا تاريخ اللفظ وتطوّر معناه ومبناه، يقودنا النظر لرسم الاسم ولحروفه الأصليّة، פֶּתַח תִּקְוָה / (فَتَح تِقْوَه) إلى التساؤل كيف تحوّل حرف الپاء بالعبرية إلى فاء بالعربية، ولماذا تُنطق الواو فاءً مثلّثة (ڤ)، وأين القاف من كلّ هذا؟.
يُطلقُ على التغيرات الصوتية المتناظرة بين لغتين متقارنتين اسم “القوانين الصوتية”، ويتم تحديد كون الكلمة أصيلة أو دخيلة من لغةٍ إلى إخرى بتطبيق مبدأ القانون الصوتي. وقد طرأت بعض التحولات في النظام الصوتي لبعض المفردات العبرية فتحولت لصوتٍ لغوي آخر. وتنطق “الفاء” في اللغة العبرية بصورتين صوتيتين، أحدهما انفجارية (شديدة) “فاءً” مع تشديده (إعجامه) بالشدة الخفيفة (דָגֵשׁ קַל)، والتي يشار إليها بنقطه توضع داخل حرف الفاء פּ، إن سبقه صائت أو حركة، وما دون ذلك، أي في أول الكلمة أو بداية مقطعٍ لفظي، ينطق پاءً أعجميّة، أي الصوت الثاني (الاحتكاكي – الرخو)، وذلك عندما تَسبِقُ هذا الصامت حركةً مباشرة، مع إهمال اعجامه، أي عدم تشديده بالشدة الخفيفة.
إذاً فالفاء في اللغة العبرية هي إحدى الأصوات الست التي يطلق عليها أصوات (بجد كفت) ( בּ , גּ , דּ , כּ,פּ , תּ) وهذه الأصوات الأصل فيها أن تكون انفجارية (شديدة)، إلا إذا جاءت بعد حركة وأُهمِلَ تشديدها (اعجامها) فإنها في هذه الحالة تتحول إلى أصواتٍ احتكاكية (رخوة). ويُراعى في العبرية اليوم ثلاثٌ منها فقط، وهي الفاء פ والكاف כ والباء ב. وبهذا فإن الكلمة الأولى من اسم المدينة هي “فتح”، نعم فَتَحَ أو بالمعنى المُرسل: باب أو بوابة. أما الشق الآخر من الأسم (תִּקְוָה / تِقْوَه)، فتعني كلمة “تِقْوَه” الأمل، (تيكڤا)، وذلك لأن القاف العبرية غالباً ما تُنطق كافاً.
أما بالنسبة لحرف الواو (ו) في العبرية فلم يسلم هو الآخر من التغيير والتحريف، فصار واواً أعجمية، ڤ v. وهذا هو واقع بعض الأصوات العبرية الحديثة التي فقدت صوتها السامي الشرقي في النطق ووقعت تحت تأثير النطق الغربي الأوروبي، ومنها الراء التي أصبحت تنطق غيناً، والحاء التي تحولت خاءً، والعين التي أضحت ألِفاً.
وجذر كلمة تِقوه (تيكڤا) الثلاثي هو “ق. و. ه”، واللفظ نفسه مشتق من الفعل المضعّف “قِوّه” على وزن “فِعِّل” العبري والذي يقابله وزن فَعَّل بالعربية، ومعنى “تِيقوه” هو الأمل والرجاء. ورغم تشابه الجذر العبري مع جذري “وقى” و”قوي” العربيين، إلا أنه يبدو أن الرابط بينهما في المعنى قد تلاشى مع الزمن، وبَعُد المعنى كثيراً حتى لم يعد ممكناً خلق دلالات بينهما. ومن كلمة تِقوه (تيكڤا) جاء كذلك اسم النشيد الوطني الإسرائيلي الشهير “هتِّيكڤا”، أي الأمل.
كان المخطط الأصلي لموقع بتاح تكفا بعيداً جداً عن منطقة الشارون وغوش دان، وكانت النية إقامة مستوطنة زراعية في منطقة أريحا، في مكان يُدعى “عميك آخور” وادي عخور. والاسم “بتاح تكفا” الذي يعني “فتح الأمل” أو “بوابة الرجاء”، مُشتقٌ من التوراة، واختاره المؤسسون الأوائل ليكون مرتبطاً بهذا الوادي القاحل الذي ورد في إحدى الرؤى بسفر النبي هوشع وصفه قائلاً: “وَأُعْطِيهَا كُرُومَهَا مِنْ هُنَاكَ، وَوَادِي عَخُورَ بَابًا لِلرَّجَاءِ”. لكن الحكومة التركية لم توافق على شراء الأرض في وادي عخور، فقرر المؤسسون تغيير الموقع، فقاموا بشراء أرض معروضة للبيع في قرية ملبس وأعطوا المكان الجديد اسمه الأصلي “بيتاح تكفا”، فأُطلقت يومها تسمية “فتح الأمل” على مستوطنة أصبحت اليوم جزءاً من أجزاء تل أبيب.