العلمانية بين التيار الإسلامي والتيار الشعبوي في العراق
سمير عادل| العراق
قد تناولنا العلمانية في موضوع خاص تحت عنوان(الحركات الاحتجاجية بين بين الدولة المدنية والدولة العلمانية غير القومية) نشر في عام ٢٠١٧ في موقع (الحوار المتمدن)، وما دفعنا للكتابة اليوم من جديد عن هوية الدولة والدفاع عنها بوجوب أن تكون علمانية، هو مسالتين، الأولى المساعي الحثيثة لإعادة إنتاج الترهات والسخافات الطائفية في المشهد السياسي العراقي، سواء في الفضائيات أو في شبكات التواصل الاجتماعي، عبر مد أيديهم الى مستنقع التاريخ لإعادة الكراهية الطائفية وتسويقها في المجتمع، والذي فجرها المطالبة من قبل القوى الإسلامية في السلطة وخارجها، اعتبار ما يسمى “عيد الغدير” – يوم يحتفل به الشيعة في ١٨ ذي الحجة من كل عام، احتفالا باليوم الذي خطب به النبي محمد حيث عين فيها علي بن ابي طالب مولى او خليفة للمسلمين في منطقة اسمه غدير خم، اثناء عودته من حجة الوداع الى المدينة- حسب الرواية الشيعية، عطلة رسمية، والمسالة الأخرى هي ما ينتاب صفوف فعالي ونشطاء الحركة الاحتجاجية في العراق من شعور القلق، بان طرح العلمانية قد تبعدنا عن الجماهير والعمل على توحيد صفوفها من اجل التغيير الجذري للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
إنَّنا نرى ونؤكد أنَّ العلمانية ليست أكثر من فصل الدين عن الدولة، وهذا يعني إبعاد الدين وبغض النظر عن الهوية الدينية، سواء كانت إسلام أو مسيحية أو صابئة أو يزيدية وغيرها من الأديان، عن الدستور وقوانين الأحوال الشخصية. أي بعبارة أخرى يعامل البشر في العراق على أساس المواطنة، على أساس الهوية الإنسانية. وننهي بهذا، الجدل ونسحب البساط من تحت اقدام كل الطائفيين، ونجردهم من سلاحهم المقيت، ومن مشاريعهم الطائفية التي تتعقب مصالح مادية بحتة، والتي تعني بالمطاف الأخير توجيه ضربة قاصمة لقلاع المحتمين فيها تحت عنوان حماة الدين والطائفة.
العلمانية لا تعني الإلحاد، لا من قريب ولا من بعيد، وأصحاب العمائم الغليظة اكثر من غيرهم وقبل الأحزاب والقوى الإسلامية التي هم مراجع لها، تدرك حقيقة معنى العلمانية وماذا تعني بالتحديد. إلا أنَّهم يروجون بأن العلمانية كفر والحاد، لأنَّها تجردهم من كل الامتيازات الاقتصادية والاتاوات التي يحصلون عليها من الأحزاب والقوى الإسلامية، جراء الخدمات الجليلة التي يقدمونها لها من نشر الخزعبلات والأكاذيب والترهات وتقديس الطائفة، أي نشر الحماقات في المجتمع. ونقتبس مقطع من مقالنا المشار إليه (إنَّ العلمانية تعني تجريد إصحاب الاستثمارات الطائفية من إغراق العراق بالعطل الدينية لتصل ما يقار 152 يوم كما هو مطروح في مسودة لمشروع قانون العطل الى البرلمان، والهدف هو تحويل المناسبات الدينية لنشر الترياق الطائفي ودق إسفين في صفوف الطبقة العاملة وجموع محرومي المجتمع، لتخليد نظام الحكم الإسلامي الطائفي وترسيخ جذوره. إنَّ العلمانية تعني تربية الأطفال وتنشئتهم في المدارس الابتدائية وإعدادهم في الثانويات والجامعات تنشئة إنسانية ترسخ قيم السلام والتعايش والتسامح والحب، وأن يكون العلم والمعرفة نبراس لهم. وأنَّ العلمانية تعني العمل على عدم تمكين أحزاب الإسلام السياسي من استغلال الدين تحميق المجتمع وتدمير بنيته الاجتماعية وتمزيق نسيجه الاجتماعي. إنَّ العلمانية تعني إنفاق الأموال على بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والملاعب والمسابح عبر مصادرة الأموال المخصصة من موازنة الدولة الى هيئات الأوقاف الدينية والمذهبية، وفرض الضرائب على الأغنياء الذين يتهربون من الضرائب عبر حيلة بناء الجوامع والمساجد. إنها تعني شن حربا إعلامية ودعائية ضروس ضد الإعلام الطائفي والفكر الطائفي والديني والفضائيات التي تبث ليل نهاء سمومها الطائفية والدينية عبر تمويل الدولة للإعلام. إنَّ العلمانية تعني إنهاء كل أشكال التمييز الديني والقانوني والاجتماعي والسياسي ضد المرأة في الدستور وقوانين الأحوال الشخصية ومراكز العمل والممارسة اليومية في البيت وحضانة الأطفال والعنف المنزلي. الخ. إنَّ العلمانية تعني مساواة البشر في العراق وإنهاء صفة الدين أو حتى كتابته في هوية الأحوال المدنية أو أي وثيقة رسمية تصدرها الدولة. إنَّها تعني اطلاق الحريات الفردية، وحرية المعتقد، وحرية اعتناق الدين من عدمه”.
لذا فإنَّنا نرى أنَّ العلمانية اليوم في العراق حاجة ماسة من اجل إرساء أولى الخطوات نحو الأمن والسلام والأمان، فبدونها، سيطل علينا وكل يوم واحد من هذه الأحزاب والقوى الإسلامية برأسه على المجتمع محملاً بمشاريعه الطائفية لتسميم المجتمع، بهدف لبقائهم في السلطة، ويكون المجتمع في حالة إنذار مستمر، كمن يمسك بندقية ويداه على الزناد ولا تعرف في لحظة تضغط على الزناد مثلما نشاهده اليوم في الصراع على “عيد الغدير
وهناك سؤال بسيط يجب طرحه على هذه الأحزاب وأيضا على الجماهير، ماذا سيحصل العامل والكادح في العراق، مقابل “عيد الغدير” لو أصبح عطلة رسمية، هل سيحصل على زيادة في الأجور، هل ستحل المليشيات أم تطلق يد المليشيات تحت عنوان حقانية “الشيعة” على انهم أغلبية، والتي لا تعني أي شي في مواثيق العهدين الدوليين وحقوق الأنسان للأمم المتحدة، لانه ببساطة لون البشرة او العرق او الجنس او العقيدة لا تعني شيء سواء كانوا أكثرية او اقلية، ولا تحسم مسالة الحقانية، وليس اكثر من ختم جباه جماهير العراق بالهويات الطائفية. هل سيؤسس لنا “عيد الغدير” فيما اذا كانت عطلة رسمية محاكمة قتلة متظاهري تشرين-أكتوبر، هل ستنصب المحاكم العلنية لكل الفاسدين والسراق في العملية السياسية منذ تأسيسها تحت حراب الغزو والاحتلال في المجتمع؟.
وهنا علينا أن نشرح للناس بتأني وصبر، أنَّ اللغط الذي يدور حول المطالبة من قبل الأحزاب بان يكون “عيد الغدير” عطلة رسمية أو غير رسمية، هو من اجل حرف أنظار المجتمع عن الفقر والعوز والفساد الذي سببتها هذه الطغمة الحاكمة، ويعني إعادة ترسيخ توجهات وسياسات وأفكار السلطة المليشياتية والطائفية في المجتمع سواء كان في الحكم أو خارجه.
لو كانت هوية الدولة علمانية، لما كان هذا الصراع الدائر منذ أشهر على رئاسة مجلس النواب الذي لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد، حيث يمثل مصالح اكثر حثالات أجنحة الطبقة البرجوازية في المجتمع، لكن نسوقه كمثال وحسب التقسيمات التي فرضها الاحتلال منذ مجلس الحكم، على أن يكون رئيس البرلمان من “السنة” ورئيس الوزراء من “الشيعة” ورئيس الجمهورية من “الكرد”،
وعلى مائدة السلطة ترمى الفتات الى ما يسمى بالمكونات الصغيرة. والعلمانية بالمطاف الأخير تنهي سلطة المحاصصة وتسحب البساط بشكل نهائي من تحت أقدام هذه الأحزاب والقوى الإسلامية بالدرجة الأولى.
وأيضا العلمانية تسحب البساط من تحدث أقدام السياسيين الأمريكيين الذين أسسوا لحكم طائفي وقومي في العراق. لذا فإنَّ أكثر الحمقى والذين هم بحاجة الى مواساة هم شلة المثقفين، إذ توهموا وما زالوا يتوهمون بالسياسة الأمريكية بأنها تناصر وتساند حكم علماني في العراق، ناسين كيف أسس بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال مجلس الحكم، وقسم مقاعدها حسب الطوائف والقوميات كي يسهل شراء الذمم، وتسير أمور الحكم في العراق، وعندما يرفض أي طرف ما تمليه السياسة الأمريكية أو المؤسسات المالية مثل صندوق الدولي والبنك الدولي، تحرك المياه الآسنة للأطراف الأخرى، وتحت عنوان حقوق الشيعة أو حقوق السنة أو حقوق الكرد، وغيرها من الترهات.
أن فعالي ونشطاء الحركة الاحتجاجية، هم أكثر الأطراف مسؤولية عن شرح مسالة علمانية الدولة للجماهير، وعليهم أن يصارحوها بالحقيقة بكل جرأة وحقانية، وليس التنازل الى المشاعر الرجعية التي تقويها القوى والسلطة المليشياتية في المجتمع، وعليهم أن يبينوا للجماهير كيف قتلت المليشيات القوى السياسية التي تطالب اليوم بأن يكون “عيد الغدير” عطلة رسمية، المئات والمئات من الأبرياء على أساس الهوية، وإنَّ مناطق شيخ معروف والسدة في بغداد وأطرافها مثل جرف الصخر وغيرها تشهد على مجازر تلك المليشيات، وهي من اكتوت بنار عصابات داعش وقتلت في معسكر سبايكر على سبيل المثال، الشباب العزل ما يقارب ١٥٠٠ شاب بعمر الزهور، لانهم مصنفين على الهوية الشيعية، وكيف استغلت المليشيات الشيعية تلك الجرائم للتطهير الديمغرافي والاستيلاء على الأراضي والأملاك في المناطق الموصل وبابل وديالى وغيرها وبغداد. علينا أن نشرح لهم أنَّ العلمانية تضع هذه المليشيات والقوى السياسية التي تقف خلفها عارية أمام المجتمع.
إنَّ أولئك القتلة والمجرمين والفاسدين من المليشيات والقوى الإسلامية، وبالرغم كل الأهوال التي جلبوها للمجتمع وفرضتها على الجماهير، لا تتردد من إعادة أنتاج أفكارها ومشاريعها اللاإنسانية، فلماذا نحن نتردد بالدفاع عن العلمانية التي تعني خطوة نحو السلام والأمان. إنَّ المجتمع العراقي اليوم بحاجة كما قال فولتير احد اعلام الثورة الفرنسية عشية اندلاعها، إلى الجرأة ثم الجرأة ثم الجرأة.