حوار

الشاعر عبد الرزاق الربيعي.. حوار خاص

الشِّعر طاقة، قد تتبدد بالانغماس بالعمل أو متع الحياة

حاوره: محسن جهاد
طفل ستينيّ، يضحك بصخب، يصمت حد الكآبة، مغترب صوب المشرق، متجه نحو القمة، جنوبيّ بطعم الملح، يعرف عن بلده ما لا يعرفه غيره، لكن بعض أبناء بلده لا يعرفه، عراقيّ له سمرة أرضه، وطول جباله، وطيبة هوائه، ونقاء سمائه، وغيرة شعبه، ورِقة ماء رافديه، إنه الشاعر الكبير عبد الرزاق الربيعي أهلا ومرحبا بهذه القامة الشعرية الفخمة. سنتحدث اليوم عن بعض الأمور التي تهم الشّعر والشّعراء فاسمح لنا سيدي:_

_ لو أرخنا التَّأريخ بأسماء الشّعراء بدلا من العصور وقلنا: امرؤ القيس، وحسان بن ثابت، والفرزدق، وأبو تمام، وأبا نواس، والمتنبي، وابن زيدون. ماذا يقول عبد الرَّزاق الرُّبيعي عن شعراء العصر الحديث وما هي الأسماء التي يتحفنا بها؟

عبد الرَّزاق: حبل العلامات الشعرية العربية العالية لم ينقطع، وسماء الساحة الشّعرية العربية تبقى مرصَّعة بنجوم شعرية ساطعة والمخاضات الشعرية مستمرة، وفي شعرنا الحديث قامات كثيرة نفخر ونزهو بها وحين نتحدث عنها فإننا نتحدث عن تجارب وليس عن أسماء فتجارب شعرية كتجارب: الجواهري، وبدر شاكر السيّاب، وعبدالوهاب البياتي، وصلاح عبدالصّبور، ومحمود درويش، ونزار قباني، وأدونيس، وسعدي يوسف، من الظلم أن نتحدث عنها كأسماء مجردة، بل كتجارب ثريّة قدّمت عطاء شعريا ثريّا.

_ كثيرا ما نسمع عند النُّقاد عن الشِّعر المقفى والشِّعر الحديث كيف يفلسف هذه الدِّيناميكية شاعرنا وهل يقبلها من النُّقاد شعريّا؟
عبد الرَّزاق: هذه التقسيمات وضعها الدّارسون، الذِّين احتكموا للشّكل لا المحتوى، أنا مع رأي ابن قتيبة الذي عاش في القّرن الثّالث الهجري عندما جعل الجودة معيارا للمفاضلة بين الشّعراء في كتابه “الشّعر والشّعراء” وقال: “كلّ من أتى بحسن من قول أو فعل ذكرناه له وأثنينا عليه” وفي نصوص مكتوبة وفق نظام الشطرين ( الشّعر المقفى) شعر ينتمي للحداثة

_ هناك من يقول: إن شعر النساء يختلف عن شعر الرجال فهل يريحنا شاعرنا ويضع لنا قاعدة تقبل من الجميع في هذه المعضلة؟

عبد الرَّزاق: بغضّ النظر عن جنس منتجه، الشِّعر واحد كونه منتجا إنسانيّا، ولكن هناك خصوصيّة يمكن أن نطلق عليها “الحس الأنثوي”، ينبغي أن نتلمّسها في نصوص الشاعرات، هذا الحسّ نراه متوفرا في نصوص عدد من الشَّاعرات اللواتي يسلّطن أضواء ساطعة على مساحات هذا الحسّ ويتلمسن تمثيلاته، التي تتجلى في اللّغة، والصّور، وزوايا النّظر.

_ بعد أن أصبح له مستمعون ومهرجانات، الشّعر الشّعبي أو النّبطي أين مساحته من الشِّعر؟ وهل مازال مرفوضا من مستمعي الشّعر؟

عبد الرَّزاق: من قال: إنّه مرفوض؟ للشّعر الشّعبي جمهور واسع في الوطن العربي، بشكل عام ومنطقة الخليج العربي، وله نكهة تتصل بالبيئة، وثرائها، موروثاتها، ومفرداتها التي تنفذ إلى الوجدان مباشرة، دون تزويقات لغوية، وإرث شعري، فالشَّاعر الشَّعبي حصان يصهل في البراري، لا يحدّه مانع ولا حاجز، وصار اليوم يحتل مساحات واسعة في اللقاءات الشّعرية والمهرجانات والبرامج.

     _ المدح، والهجاء، والفخر، والرّثاء، والهجاء, والإخوانيات، أنواع بدأت تتغير نوعا ما عمّا كانت عليه سابقا فكيف يختار لنا عبد الرزاق الرّبيعي الأساليب الحديثة في الشِّعر الآن؟

عبد الرَّزاق: هذه الأغراض لم يعد لها وجود ككيانات منفصلة، مستقلّة، فقد ذابت في دورق النّص الحديث، بعد التّحولات التي شهدها مفهوم الشِّعر كونه رؤيا في الوجود، تتصل بالذات وحياة الإنسان، وهواجسه.

_ عاش شاعرنا في بلدان عربية عدة كيف يقيّم كلّ مرحلة من مراحل رحلته شعريّا؟

عبد الرَّزاق: لكلّ مرحلة ظروفها، فمرحلة الأردن رغم قصرها، كانت نافذة أولى للتدريب على مفارقة مكان المنشأ الأول، والابتعاد عن الأهل والأصدقاء، ودخول عوالم جديدة، وتبقى للإقامة اليمنية مكانة خاصة كونها ساهمت في دفع التّجربة للأمام بفضل الاحتكاك بتجارب عربية كبيرة كـ: سليمان العيسى، وعبد العزيز المقالح، ود. حاتم الصَّكَر، ود. علي جعفر العلّاق، وآخرين، أما عن الإقامة العمانية فلا أعتبرها مرحلة، بل استقرار، وخاتمة مطاف، وذوبان في مكان.

لو قلت لشاعرنا هناك مسمّيات هي أيقونات كبيرة، ماذا سيقول عنها عبد الرَّزاق الرُّبيعي: الأم، الزّوجة الحبيبة، الأخ الأقرب، الصّديق؟

عبد الرّزاق: ما ذكرت ليست فقط أيقونات، بل ملاذات نلجأ إليها كلَّما هدّ قوانا تعب الحياة ورمتنا الأيام في مطحنتها.

_ المسرح، والصحافة، وشعر الطِّفل، هل ينظر لها شاعرنا على أنها مراحل مرت بحياته أم أيقونات حالها حال الشِّعر؟

عبد الرزاق: المسرح نافذة أطل من خلالها على مشهد الحياة اليومية واشتباكاتها مع الذَّات والعالم، أما الصَّحافة فهي نافذة أخرى مضافة للتّواصل مع الأوساط الثَّقافية، وفي النهاية العمل الصَّحفي مهنتي التي أقيم بها أود حياتي، أما عن شعر الأطفال فهو متنفس لطفولة مكبوتة راسخة في الأعماق.

_ حدثني عن الحب أيها الشيخ السِّتيني، وهل كان له وقع كبير في حياتك؟

عبد الرَّزاق: الحب هو الزّيت المحرك لعجلة الحياة

_ كيف ينظر عبد الرزاق الرُّبيعي للجمال؟

عبد الرَّزاق: الجمال هبة الله في مخلوقاته، أعطاها لنا لنتحمل أعباء الوجود. في رواية(الأخوة كرامازوف) يقول دوستويفسكي على لسان ديمتري مخاطبا أخاه أليوشا: “الجمال رهيب، لأنه لم يُفهم أبدا وغامض بنفس الوقت، الله والشيطان يتقاتلان هناك وميدان المعركة قلب الإنسان”.
_ لو قلت اختصر عبد الرَّزاق الرُّبيعي بقصيدة، ماذا تقول قريحتك فيه؟
عبد الرَّزاق: بكلمتين: طفل الستّين
_ الصَّداقة هل نقسّمها إلى أنواع كأن صداقة شعرية, وصداقة طفولة، وصداقة فكرية؟ ثم ماذا يضيف لنا شاعرنا؟
عبد الرّزاق: تبقى صداقات الطّفولة هي الأنقى والأصفى، لأنها لم تُبنَّ على المصالح، وضرورات الحياة، لكنها سرعان ما تختفي مع سنوات الطّفولة ولا تبقى منها سوى الذّكريات اللّذيذة، أما الصّداقات الشِّعرية فإنها الأبقى بحكم الاهتمامات المشتركة، ولي في صداقاتي مع الشُّعراء: عدنان الصائغ، وجواد الحطّاب وفضل خلف جبر خير مثال كونها امتدت لأكثر من أربعة عقود، وكذلك مع كريم العراقي، وهناك صداقات معمّرة مع نقاد مثل: د. حاتم الصَّكَر ود. سعد التّميميّ، الصّداقات المعمّرة، يعوَّل عليها، وأعتز بصداقة الشاعر وسام العانيّ رغم أنها عُقدت منذ سنوات قريبة. وصداقاتي لسعيد الصقلاوي وحسن المطروشي وناصر ابوعون ومحمد البريكي
وأضيف للصّداقات صداقة الأخوة، وهي صداقة ممتدة، صداقة المرأة الحبيبة، وقد تمثَّلت في زوجتي الشَّاعرة جمانة الطَّراونة.

_ كثيرا ما نقرأ عن الشِّعر التَّعليمي، والشِّعر الملحمي، والألفيات وغيرها، هل هي الآن موجودة وتكتب من قبل شعرائنا؟

عبد الرّزاق: الألفيات موجودة في الكتب القديمة، فالنَّص الشِّعري يتوهج كلّما أسرف في الرَّشاقة والاختزال
الشِّعر التَّعليمي، هذا النّوع نجده في النُّصوص التَّربويّة الموجّهة للأطفال، وفي المناهج التَّعليميّة، أما عن الشِّعر الملحميّ، فهذا أيضاً نجده في النِّصوص التَّربويّة الموجّهة للأطفال، وفي المناهج التّعليميّة، أما عن الشِّعر الملحميّ فقد نجده في المسرح الشِّعريّ، والّذي يبقى هو ما يتوافق مع مفهوم الشِّعر الحديث.
_ مَنْ مِنَ الشّعراء تراه قريبا من قلبك أو أنك تسير على دربه في شعرك؟
عبد الرَّزاق: كثيرون، ولكن أقربهم من واصل معي الرّحلة في قطار الشّعر، وقد ذكرت هذا في جوابي عن الصّداقات الشّعرية وأضيف من ركب القطار خلال الرّحلة.
_ ماذا تقول للشّعراء الشّباب وتنصحهم، من خلال خبرتك التي تجاوزت الأربعين سنة؟
عبد الرّزاق: أقول النّصيحة التي وجّهها لي الشاعر الكبير عبد الرَّزاق عبد الواحد في أولى لقاءاتي به في أواخر السَّبعينات: الشِّعر طاقة، قد تتبدد بالانغماس بالعمل أو متع الحياة، ولكن الاستثمار الأمثل لهذه الطاقة هو الكتابة. وأكرر: استثمروا وقتكم في القراءة المكثَّفة، وطاقتكم في الكتابة، فإن النّعمة الشِّعرية لا تدوم.
في ختام اللِّقاء لا يسعنا إلا أن نقدم للشاعر الكبير عبد الرَّزق الرُّبيعي ذي القلب الأخضر الممتلئ حبا بكلّ أسباب الحياة شكرا واسعا سعة قلبه، متمنين أن نراه في بلده الَّذي يحبه كثيرا في أقرب فرصة.
الشَّاعر الشَّعبي حصان يصهل في البراري، لا يحدّه مانع ولا حاجز
الحب هو الزّيت المحرك لعجلة الحياة
الشِّعر طاقة، قد تتبدد بالانغماس بالعمل أو متع الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى