حصان الروح
شعر: معين شلبية
مُعَبَّأً بِالْقَهْرِ
هَيَّأْتُ فوقَ الرِّيحِ مَغناتِي السَّبِيَّة
عَنِ الأَرضِ الَّتي فَرَّتْ مِنْ يَدَيَّ
حينَما ضَبَّ المكانُ حِجابَهُ
وانْتَثَرَ الزَّمانُ على حُطامي.
هِيَ حالةٌ للرِّيحِ تَنْثُرُ جُرْحَهَا الفِضِّيَّ
لتُضْفِي على رَسْمِ القبائِلِ
ما تقدَّمَ مِنْ كَلامِي.
هِيَ بَهْرةُ النَّفْسِ الشَّهِيَّة
تُطِلُّ خلفَ إِثارَةِ الكلماتِ
كيْ تَعلو مياهَ الرُّوْحِ
وما تأَخَّرَ مِنْ هُيامِي.
حطُّوا على نُسْغِ التَّمَنِّي صَوْتَهُم
وتلحَّفوا وجَعِي الجَهوريَّ في غابةِ النَّايات
غابوا خلفَ أَشلاءِ النُّبوءَاتِ الأَبيَّة
يحملونَ مَعاوِلَ الطِّينِ الإِلهيِّ
ومِسَلَّةَ الوطنِ الَّتي حطَّتْ كالنُّقوشِ
على جدارِ الكَون
لم يَسكُنوا إِلَّا السَّرابَ
ولمْ يَرَوْا ردًّا دلاليًّا
خارجًا عن بُقْجَةِ المنفَى
أَو ذَوادًا، أَو حِراكًا، أَو خِطابًا، أَو جَوابًا
عن رحلةِ العَبَثِ الـمُبَطَّنِ
وعن غُرْبةِ الحقلِ البِدائِي.
هيَ صرخةٌ للتِّيهِ في مِحْرابِ صَحرائِي الَّتي
ما فارقَتْ يومًا حِصانَ الرُّوْحِ
في هذا الجَليلِ الرَّطْبِ
ومَا تَململَ مِنْ رُكامِي.
لا ريحَ تَحمِلُني إِليكِ
كيْ نتقاسمَ الغَيْبَ الَّذي
سيوزِّعُ الذِّكرَى عليكِ.
لا
لمْ نفترقْ منذُ افترقنَا قربَ
مُنعطفِ الغِياب
لا
لمْ نلتقِ والعِناقُ هوَ العِناق.
كيفَ تُنْسَى الذِّكرياتُ
والزَّبَدُ المُبَعْثَرُ على ملكوتِ مَرفَئِهَا
وَهذا اللَّيلُ لَيْلُكِ؟!
كيفَ لي؟
وأَنا أَراكِ تُعانقينَ سنابلَ الوَجَعِ المُسَيَّجِ
على خَصْرِ عاصفةٍ
عافَتْ مَهَبَّ الكرملِ الغافِي
على كَتِفِ النَّشيدِ ومَا تأَلَّقَ في سَناكِ!
كيفَ لي؟
وأَنا الجليليُّ الَّذي ظَلَّ مُقيمًا هَا هُنا
على موجةٍ هَزَّتْ أَنامِلَها
لتُلغي نشيجَ الموتِ
خلفَ شُبَّاكِ التَّذاكِر.
على قَلَقٍ
على قَلَقٍ
خذْ مَا شِئْتَ مِنْ دواعِي الصَّدرِ
والأَرزاءِ والحُبِّ القَديم
خذْ مَا شِئْتَ
فَهذا الطَّقْسُ ماكِر.
خلفَ شُبَّاكِ التَّذاكِر
يحملُ البحرُ مرايا الغيمِ للشَّظايا الفاتِنات
جوازًا رماديًّا
في تردُّدِ الشَّبَقِ المُؤَجَّجِ بالعَوْدِ والتِّرحال.
للمَرايَا خارطةُ الزَّمانِ
وخارطةُ المكانِ في إِناءِ الزَّهْو
المرايَا هبوبُ النَّوارسِ خلفَ نافذةِ الخَراب
المرايَا اتِّحادُ الجِسْمِ بالأَنفاس
المرايَا حُلولُ الصَّبْوِ باللَّاهُوت
المرايَا كُلومٌ تَصْرُخُ ثم تَغْفُو
المرايَا سُكْرُنا الصُّوْفِيُّ
فِي التحامِ الإِنْسِ بالقَيُّوم
المرايَا هِجْرةُ الأَملاحِ فِي الأَرحام
المرايَا بَوَاكٍ تئِنُّ آنَ أَنْ تعود
المرايَا حُزْنُنَا المَسفوكُ
عندَ مِشْكاةِ الحواجزِ والحُدُود
المرايَا نائِباتُ الدَّهْرِ على قِلَلِ الجِبال
المرايَا زُؤَامُ الموتِ للطَّاغُوت
المرايَا سُمُوُّ الرُّوْحِ فِي الـمَرْثَاة
نحوَ الهاجِسِ الحُلُمِي
بينَ الشِّعْرِ والـمَأْساة
على قَلَقٍ
“على قَلَقٍ كأَنَّ الرِّيْحَ تَحْتِي”
سأَطوِي شَهْقَةَ الصَّلصالِ
وأَبدأُ رِحلتي الصَّفراءَ
رويدًا رويدًا
كأَنِّي وَطِئْتُ مِنْ قبلُ هُنا
على هَذا الطَّريقِ مَشَيْتُ
عانقتُ الحروفَ وضاجعتُ اللُّغَة
كأَنِّي ” أَنا مَنْ أَهوَى ومَنْ أَهوَى أَنا “
فَيا عَرْشِي اتَّكِئْ واتَّسِقْ على رَمْسٍ
بينَ الحقيقةِ والخيَال
حيثُ منابعُ الإِيحاءِ والرُّؤْيا
هُناكَ وجودِي في تأَمُّلِ النَّاسُوت
حينَ تَبكي السَّماءُ على دَعوةٍ شاردَة
فيَا نعشِي انتفِضْ فِي العَودةِ الخالدَة.
طاوٍ على صفيحٍ مُعْشِبٍ نحوَ مَجْرَى الدَّائِرَة
أَحملُ مَغناتِي الَّتي مَا نازعَتْ يومًا
لعنةَ الذِّكرى سجاياهَا، مراياهَا، نوافِلَهَا،
محاكاةَ التَّخطِّي وروحَ الاحتفالِ فِي المأْسَاة.
هلْ تُوْرَثُ الأَشواقُ؟
هذا سؤَالُ البائِسينَ العاشقينَ ولا مجازَ لهُ
وهلْ تُوْرِقُ الأَوطانُ هَيَا آخيلُ؟
ضائِعٌ أَنا بينَ الإِجابةِ والسُّؤَال
على قَلَقٍ دخلتُ
لا مَحْضَ شيءٍ إِلَّا ما تُؤَلِّبُهُ الخُرافةُ والفُتُون
كأَنِّيَ، لا قَيْدَ لي بسُلافتي وعمَّا يمكنُ أَنْ يكون
ههنا فيما تبقَّى مِنْ ملائِكَةِ السَّماءِ فوقَ الأَرض
كلُّ شيءٍ ساكنٌ أَو صاخبٌ في معادلةِ الحياةِ
لا بدايةَ مَدٍّ للصَّدى الوهميِّ
ولا نهايةَ جَزْرٍ خلفَ مفترقِ الأُفول
موجُ البحرِ مرآةٌ تشاركُني فِي المأْزقِ الدَّهرِيِّ
والرُّوحُ تَدْخُلُ في متاهَتِهَا والقلبُ ساهٍ
كأَنَّ جسميَ ليسَ منِّي
ولا سَفَرَ هناكَ ولا رُكون
تَهُبُّ عليكَ ما بَعْثَرَتْهُ الرِّياحُ مِنَ الظُّنون
يَلِجُ الضَّياعُ ويأْتَلِقُ الصَّدَى
تَخْتَلِجُ النَّوائِحُ هَا هُنا وهُناك
ثُمَّ تَكْتَمِلُ البصيرَة
فالشَّظايا اختتامُ قصيدَتِي
والشَّظايا احتقانُ جوارحِي
والشَّظايا غوادٍ في تخيُّلِ الأَشيَاء.
لا أَعْرِفُ الشُّعَراء
لكنِّي رَمَيْتُ قصيدَتِي فِي الرِّيحِ
فاشتعلَ المناخُ
وقلَّدتنِي الرِّيحُ خاتمَهَا
انطلقتُ إِلى المَدَى
لا أَرْضَ تَحْمِلُنِي
لا أُفْقَ يأْسِرُنِي
كأَنِّي رَغْمَ مَا فِي الموتِ مِنْ بُعْدٍ
ومَا فِي البُعْدِ مِنْ مَوْتٍ
تَقمَّصَني النَّدَى في راحتيكِ
كأَنِّي الآنَ
حُرُّ!