بقلم: شرين خليل
ومضت الأيام وعادت أمي لثوبها القديم وكأنها فتاة في العشرين ..
فؤاد الصغير أعاد لها الحياة من جديد …
تلعب معه وتلهو وتتحدث معه وتحكي له ..
عاشت معه ما لم تعشه معنا .
أما أنا فكانت تقسو عليّ بسبب زوجتي التي كانت تكرهها فهي لم تنسى الماضي…
على الرغم من محاولات زوجتي لإرضائها ..
فزوجتي كالنسمة الرقيقة هادئة الطباع..
فلقد عوضني الله بها …
وتحملت أمي في كل حالاتها…
من غضب وقسوة …
حان الوقت لكي أتحدث مع أمي وافهم منها سبب قسوتها على زوجتي ..
طرقت باب غرفتها ودخلت وبدأت حديثي معها:
أمي ..
-نعم يابني..
-أنا حزين ومش مبسوط لإني شايفك مش مرتاحه مع مراتي ..قوليلي أعمل إيه..
– شوف يابني في الأول ماكنتش مرتاحه لها لكن لما لاقيتك مبسوط في حياتك خلاص يابني أنا مبسوطه..
-بس يا أمي معاملتك لها مش حلوه مهما حاولت تراضيكي..
-غصب عني يابني أنا مش بحب أمها وهي بتفكرني بيها ..
-عاوزين ننسى الماضي يا أمي ..اللي فات مات وراح وانقضى واحنا في اللي جاي ليه نعكر صفو حياتنا ..بأمور انتهت …
-النسيان مش سهل ولو كان سهل كانت كل مشاكلنا اتحلت ..أنا بدعي ربنا انسى كل وجع شفته ومريت به..انسى اليوم اللي ابوك مات فيه والأيام الصعبة اللي شفتها بعدها وليالي الخوف والقلق ..كنت أبص لكو وانتو نايمين وأخاف عليكو من الدنيا والناس كنت بخاف على نفسي عشان خاطركو..اقول لنفسي لو جرالي حاجه ولادي هايضيعو..كل حاجه عملتها كانت عشان احميكو حتى قسوتي عليكو ..أنا يابني نسيت نفسي كان كل همي إن انتو تعيشوا في آمان وتبقوا رجاله والناس تخاف منكو…يمكن طريقتي كانت غلط بس ماكنش قدامي حل تاني ..ليالي صعبة كنت ببكي فيها لوحدي وأداري دموعي عشان محدش يشوفها ويشوف ضعفي ..في ناس لو عرفت نقطة ضعفك هايستغلوها ويدوسوا عليك ..أنا كنت الحارس عليكو مش بس أمكو لأ انا الأب والأم وكل حاجه في وسط دنيا صعبة كلها طمع وأنانية..
-ياااا كل دا جواكي يا أمي …
-هو دا حاجه يابني ..أنا عمري ما اشتكيت لحد ولا حتى أمي ولا أخويا …كان لازم أكون قوية وشديدة ..في البداية كنت بمثل القوة لحد ماتمكنت مني وبقيت صفة فيا ..مش هاتحس باللي بقوله دا إلا لما تخلف ويبقى عندك عيال وتخاف عليهم .
– إنت أم عظيمة وعشان كده لو صباح حامل في بنت هاسميها سيدة على اسمك يا أمي..
-هي صباح حامل ؟
-ايوا يا أمي وعشان كده جيت لك اطلب منك تعامليها بحنية وبلاش قسوة معاها .. صباح طيبة وبتحبك..
-مبروك يابني وربنا يكملها على خير بس مش عاوزاك تسمي البنت على اسمي ..
-ليه بس؟
-عشان ماتنتهزوش الفرصة وطلعوا غيظكو مني فيها وتقولوا مانقصدش احنا نقصد سيدة الصغيرة..
-ضحكتيني يا أمي ..خلاص اختاري انتي الأسم عشان اتأكد إنك راضية عن صباح وبتحبيها..
– سميها وردة عشان هاتكون وردة زي أمها …
-اخيراً يا أم إسماعيل هانقول اللي فات مات؟؟
ولا نقول أحسن اللي فات لازم نتعلم منه وبعدين ندفنه ..يعني ناخد منه الحلو والدرس والعبرة وندفن الباقي ..ندفن الحزن عشان لو فتحنا له باب مش هايسيبنا..
-معاك حق يابني ..أول مرة كلامك يعجبني يا إسماعيل…
-ولسه يا أمي مش بقولك لازم نتعلم من الماضي ونبص بقى للمستقبل وننسى الأحزان وهانعوضك عن كل يوم حزن عشتيه…
-ربنا يبارك فيكو واشوفكو أحسن الناس …
ومرت الأيام وأصبحت علاقة أمي بزوجتي جيدة وخاصة بعد أن جاءت وردة إلى الحياة …
وجعلت حياتي سعيدة فهي جميلة وهادئة مثل أمها …
أما أمي فهي تحبها بشدة فطفلتي البريئة كانت سبباً في نسيان أمي للماضي المؤلم وللحياة القاسية التي عاشتها بعد وفاة أبي …
أحياناً ترجع لثوبها القديم وتقسو علينا ولكن سرعان ما تعود إلى الطيبة والعطف…
فهي تحتاج أيضاً إلى العطف والحنان فمنذ وفاة أبي وهي وحيدة لاتجد من يحنو عليها ..
عاشت حياة قاسية وكنا صغار لانفهم ولا نقدر ذلك الأمر ..
حتى بعد ما كبرنا وأصبحنا رجال لم نفهم مدى معاناة أمي ..كنا نرى أنها قاسية وحرمتنا من حريتنا وحقنا في الإختيار…
أدركت متأخراً أن كل ما فعلته هو بدافع الحب والخوف علينا فأمي حقاً إمرأة عظيمة فاقت قدرتها قدرة الرجال ..لم تضعف ولم تنهار …فهي حقاً ساحرة النيل…