بين يدي رمضان “قدوم بطعم الحرمان”

محمد عبد العظيم العجمي | كاتب مصري

لم تبخل علينا عطاءات القدوم يوما بين يديه، ولكن كان هذا بظلم منا، كما قد سبقنا إليه غيرنا، وقد اتبعنا (السًّنن) فجرت علينا السٌّنن “فبظلم من الذي هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا” (النساء) .. هذا القدوم الذي (كأنه) غير على غير رغبة من القادم، وقد كنا قبل العام ، يكاد الشوق يحمل كلانا لصاحبه حملا قبل أن يدنو ، و البشريات تزف بين يدي قدومه في رجب وشعبان، وكأن عطاءات السماء تمهد لنا حتى تأخذ بقلوبنا وأرواحنا، فنسمع ونبصر  ما لم نكننسمع أو نبصر.. ثم نسمو حتى تسري ضراعاتنا إلى الملأ الأعلى تفتح لها أبواب السماء، “اللهم بلغنا رمضان وبارك لنا في رجب وشعبان”. ويصعد صوت الشيخ النقشبندي حتى يعانق أبواب السماء …

رمضان يا باب السماء

ويا منى للتائبين على هلالك تعقد..

يامجمع الأرواح .. فيك تشوقت لصفائها ,, وهفا إليك المسجد

وعلى المآذن بسمة روحية،،  تشدو بأفراح السما وتغرد

والصائمون تزاور، وتراحم،  وتحية فوق الشفاه تٌردد

والليل ضوءه الجمال .. والليل ضوءه الجمال مباركا.. وبجنحه قام السنا يتهجد

فإذا برسائله تكاد تعلن أنه لا يرغب في لقيانا، ولولا مضاء سنة الزمان علينا وعليه ما لقينا.. وإن لم يعلن ذلك بلسان المقال، فقد نطقبه بلسان الحال.. وقد آذنتنا قوادمه بما لا تطيب به نفوسنا، وأبدلتنا من بعد أمننا خوفا، ومن بعد الصحة سقما،، وبات الموت على الأبواب ننتظره، وينتظرنا ،، وها هي وفوده (المساجد) لا تنشط لاستقباله، ولا ترتفع زينة مآذنها، بل تغلق أبوابها، وتصدنا دعواتها أن “صلوا في بيوتكم .. صلوا في رحالكم” ..

وقد كنا قبل ذلك :يأتينا رمضان بهذا الموكب العاطر يقدمه (رجب وشعبان) ، فتتهيأ الأرض وتتعطر السماء ، ويعاد صياغة شكل الزمان والمكان ، وتستعد الجنان وتغلق النيران، وينثر الخير عطره فى كل أرجاء المكان .. اتصال وجواز مروري بين الملأ الأرضي والعلوي ، ليفيض الثاني على الأول بفيضه ، ويجمع الثاني من الأول ما لا يستطيع طيلة العام كنزه .. يتخفف الجسد من شهوته البطنية والفرجية والبصرية والسمعية والقلبية، فيخف حمله ، وتسمو روحه حتى تصير أهلا للفيوضات والرحمات والبركات، ويغدو خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، “يجوع أليف الشبع ، ويحرم المترف أسباب المتع، يتعود خصال البر، فيعطي الصدقة ، ويحض على الشفقة ” ويتحمل عنت الحرمان ، ويحس لذعة الجوع، ويجرع مرارة الصبر.. ليكون بذلك الأجر بغير حساب ، ” إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ” ، وياله من جزاء ، إذا كان من تعهد به هو المعطي وتكفل بوفائه ، وهو من ليس لعطاءه حدود ، ولا لغناه منتهى ، خزائنه لا تنفذ أبدا ، فكيف يكون الجود ؟!!!

أما تلاوات القرآن فقد كان نصيبنا منها وصف ما حاق بنا، تقرعنا وتبكتنا، وتنعي علينا ما أعرضنا وما أسرفنا، وما ضيعنا من حق شكر ربنا، حتى بعث الله علينا من جنده ما أجض  مضاجعنا، وكدر عيشنا، وقد كنا في أمنة وطمأنينة يأتينا رزقنا رغدا من كل مكان، “فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون” (النحل)..

فإذا كانت المساجد قد غلقت دوننا أبوابها، فقد جعل القرآن يبين لنا أن ذلك لم يكن إلا بظلم منا، ويوعظنا فيما هو آت، ويذكرنا بأحوال الأمم ممن سبق .. ولا تدعنا آياته حتى يقيم الحجة علينا فنذكر ونرتدع أو تجري علينا حتميات السنن وقوانين الهلاك أو الاستبدال.

لا يعرف الشوق إلا من يكابده .. ولا الصبابة إلا من يعانيها ،، ولا يعرف طعم الحرمان في مواسم الطاعات وقدوم رمضان إلا من صاحب المساجد، وعمرها، وألفت نفسه أصداح الذكر وصحبة الليل، ودعوات السحر، وتلاوة القرآن، ثم ذاق بعدها طعم الحرمان، ومرارة القطع، وحرمان أسباب الوصل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى