هلوسة في زمن الكورونا

جمال قيسي | كاتب وناقد وتشكيلي عراقي

       صدقًا لا أعرف كيف أبدأ، العديد من الأفكار أو لنقل نتفٍ، من هنا وهناك،  مع إن هذه (العزلة الكورونية)، حسبت أنها وقت ذهبي،  أحظى  به، كنت  سأشرع في إكمال ومراجعة  مسودات  عمل روائي، عالق معي منذ سنوات، بصراحة أصابتني الكآبة من بعض تفاصيله، وكأن  لا ينقصني غير ذلك، منذ أن تسلل النور إلى عيني صباحًا أو ظهرًا  ولا أعرف كم  الساعة حينها، إذ ليس هناك شيء مهم  يحتاج إلى تزمين  أي نشاط، وهذه الاعتباطية في  تحركاتي، تارة أخرج  إلى كراچ البيت، أشعل سيكارة  والعديد من الدقائق التي تبدو بلا نفاد، أملأ رئتي  بالهواء  النقي و رائحة القداح، اتخذت لعبة سخيفة، هي مراقبة  أشجار  جارنا اللئيم، وأنتظر الفوضى التي تسببها  الريح  المتقطعة، لعلها تسقط بعض النارنج، هذا الوغد يتركها تتيبس على الشجرة، آهـٍ كم أعشق النارنج، لم تفلح  نوباتي ليومين سوى بواحدة لكل يوم، طبعًا النظرة مختلفة هذه الأيام عن السابق، كم كنت أرى ببهجة إخضرار الشجر، في  الربيع  وعبق الطلع،  والاندفاع النزق والمتهور لمعظم النباتات، كل شيء في شروعه، يشكل زخما قويا.

      أعتذر عن الهلوسة وإنى أرى الناس يتقافزون وهم  يرتدون القفازات  والكمامات  شيء أشبه بأفلام غزو الفضائيين  لعالمنا، إنها العزلة الإجبارية مباح فيها الخيال، أعود إلى مكتبتي، لكني أشعر بالقرف، الحقيقة أشعر باللاجدوى، كم هي هشة، الإنسانية؟ أقلب في  مواقع التواصل الاجتماعي، لا يوجد غير الموت والحذر وطرق الوقاية والإرشادات الدينية والوعظ والمزيد من رائحة المعقمات.

   ياله من موات، أخيرًا قررت أن أقرأ أي عنوان من مكتبت، بالواقع أعيد قراءة بعضها، رزمت عملين لكافكا ومثله لبيكت، وهنري ميللر، آهـٍ ، اللعنة،  لا يسمح المزاج  لحفر مزيد من الجراح تخطيت هذه العزيمة.

    تذكرت مقال قد نشرته قبل أيام عن كورونا وطبيعة تعامل العقل الغربي مع الجائحة،  المهم هو موضوع تم تناوله من العديد، خاصة قضية مناعة القطيع، الغريب أن أحد الذين علقوا على المنشور هو صديق قديم لي أو هكذا أحسبه، لا أملك غير أن أقول:  “يا جماعة الكورونا أهون من عقول البعض وتفاهتهم التي نتحملها”، لم أصدق إلى هذه اللحظة بأن يتهمني هذا المعتوه  بأني  جزء من حملة مساندة لمؤامرة إسرائيلية  كبرى غايتها الإبقاء على مليار من البشر فقط،    والحقيقة أنني معتوه أكثر لمجرد أن أفكر به و بتفاهته.

   لا أخفي سرًا علق الأمر معي في هذا الفراغ الاجتماعي القاتل، و كما يقول المثل العراقي (اللي ماعنده شغل…)؛  قلبت الذكريات لأبحث عن أول  معطى جعلني أرتعد أمام قسوة العقل الغربي، إنه فيلم سينمائي لا أتذكر متى شاهدته بطولة العظيم (بيتر أوتول) بعنوان “اللورد جم”، وكيف اتخذ دور الإله  في اللحظة الحرجة، على كل حال بحثت عن الرواية  وشرعت بقرائتها   منذ يومين، وذهلت من الأسلوب السردي للكبير جوزيف كونراد، وربما إن أكملتها  خلال هذه العزلة  سأشارككم بقرائتي.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى