عصر دبلوماسية القدم
توفيق ابوشومر | فلسطين
سأظلُّ أذكرُ قصة طريفة كتبها، أنيس منصور، عن الروائي والأديب، توفيق الحكيم، المشهور بالحرص والبُخل، تجدونها في نهاية هذا المقال.
حاولتُ أن أُتابعَ لاعب الكرة المصري العالمي، محمد صلاح، الذي تعاقد معه نادي، ليفربول البريطاني، مع اعترافي بأنني جاهلٌ في لُعبة كُرة القدم جهلا تاما، فوجدتُ المعلومات التالية:
الشاب، محمد صلاح حامد، مولود في 15-6-1992م
خريج معهد لاسلكي، لم يحصل على الثانوية العامة، ولا على شهادة جامعية،
متبرع في مجال الأعمال الخيرية، اشترى جهازا لغسيل الكُلى، يدعم عددا من الجمعيات، والمؤسسات الخيرية في مصر، تجاوزَ تأثيرُه في جماهير الشباب في العالم تأثيرَ رؤساء الدول، وخطباء المنابر، وزعماء الأحزاب السياسيين، وجهود المفكرين والواعظين!
خصَّصت له الويكيبيديا ، الموسوعة الإلكترونية المشهورة، ست عشرة صفحة بالكامل عن نشاطاته، ومساهماته في لعبة كرة القدم، استمدتها الموسوعة من مائة وتسعة وثلاثين مرجعا.
أما عميدُ الأدب العربي، طه حسين، فقد خصَّصتْ له الموسوعة سبع صفحات فقط، مستنبطة من عشرين مرجعا، كذلك بالنسبة للمفكر، عباس محمود العقاد!!
أما بالنسبة للمفكر الإسلامي، محمد متولي شعراوي، خصصتْ له تسع صفحات، مستمدة من اثني عشر مرجعا!
أما المُطرب الفلسطيني، الشاب، محمد عسَّاف، فقد خصصت له الموسوعة، تسع صفحات، مستمدة من سبعة عشر مرجعا، أي أكثر من عدد صفحات الأديب الكبير طه حسين، وعباس محمود العقاد!
هذه اللقطات تشيرُ إلى اتجاه ألفيتنا الراهنة، ألفية القدم، لا ألفية القلم، ألفية الحبال الصوتية، لا ألفية الثقافة التوعوية التنويرية!
هذه الألفية تعني كذلك، انصراف الناس عن متابعة المفكرين، ولجوئهم إلى المطربين، واللاعبين. الذين أصبحوا يقومون بأروع الأدوار، يبشرون بطرقٍ أخرى ليس فيها عناءٌ، كعناء القراءة، والحفظ، والامتحانات، وشراء الكُتب، ومجالس الأدباء والعلماء، فما يقدمه لا عبُ كرة قدمٍ مشهورٌ، كمحمد صلاح، والمطرب محمد عساف، والمطربة، ريم بنّا، لأوطانهم، أكبر بكثير من كل الجهود الدبلوماسية، والسياسية، وصار اللاعبُ المشهور، والمطربُ المشهور، هو السفيرُ الحقيقيُ للوطن، وهو الدبلوماسي المستقبلي.
أتوقع أن تشهد نهايةُ الفيتنا انقراضاً للدبلوماسية التقليدية، ليصبح الفنانون، والرياضيون، هم رواد هذه الألفية!ّ!
نظرا لأهمية هؤلاء، فقد تنافستْ دولُ العالم على استقطابهم، أو (شرائهم) بالملايين، فهم أغلى من أية قيمة مالية، تُدفع لهم:
أما قصة أنيس منصور، عن الأديب، توفيق الحكيم، الذي توفي قبل الألفية، عام 1987م، قبل أن يشهد عصرَ الألفية:
“كاد توفيق الحكيم، يموتُ من شدة الحسرة والألم، حينما قرأ أن لاعبَ كرة قدمٍ شابا، تقاضى ثلاثة ملايين جنيه عن اشتراكه في أحد النوادي الرياضية، فأمسك، توفيق الحكيم، قلما، وورقة، وبدأ يحسب المبلغ، إلى أن وصل إلى نتيجةٍ وهي:
لم يتقاضَ جميعُ الأدباء والمفكرين، من عصر سيدنا، آدم إلى اليوم، ثلاثة ملايين جنيه، عاش الأدباءُ والمفكرون بعقولهم، وماتوا بها، ثم جاء مِن بعدهم واحدُ يعيشُ بحذائه”
انتهى الاقتباس.
لم يعشْ الحكيمُ ليسمعَ المبالغ التالية:
اللاعب المصري محمد صلاح، يتقاضى مرتبا قدرُه خمسة عشر مليون يورو في الموسم الواحد، يضاف للمبلغ مُحفِّزات أخرى، تصل إلى عدة ملايين!
كذلك فإن لاعب برشلونة، ميسي، يتقاضى ثلاثين مليون يورو، يضاف لها ثلاثة عشر مليون حوافر أخرى!
أما اللاعب البرتغالي، رونالدو، فيبلغ مرتبه أربعة وثلاثين مليون يورو، مضافا إليها عشرين مليونا للحوافز الأخرى!
لم يعشْ هذا الأديب، الذي كان يقول لمن يدفعون له نظير مقالاته:
“أريدها فكَّة، حتى أحسَّ بأنها مبالغُ كبيرة”
الحكيم، اعتادَ ألا يُسلِّف قلمَه لأحد، إلا بعد أن يحتفظَ بغطاء القلم معه، حتى يُعاد له!
قال عنه الأديب الكبير، طه حسين:
“الحكيم ليس بخيلا، ولكنه يود أن يشتهر بالبُخل”!!
عاتبه الحكيم قائلا له: “لن أسامحك، فقولُك: إني لست بخيلا، سيجعل الناس يتهافتون على بيتي، طلبا للمساعدة”!!