هل الصّيام عبادة وتقوى أم نقمة؟
بقلم: جميل السلحوت
يقول تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.”
قال العلامة السّعدي رحمه الله:” يخبر تعالى بما منَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة، لأنه من الشّرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.”
والصّيام ركن من أركان الإسلام الخمسة، يقول صلى الله عليه وسلم:” بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدًا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان.”
فهل يفهم مسلمو هذا العصر الصّيام كما أراده الله لهم، مع التّأكيد على أنّ الإنسان مأمور بتأدية الفرائض والعبادات كما هي دون تبريراتها، فالخالق أعلم بمصلحة خلقه.
وإذا ما نظرنا إلى واقعنا فإنّ مسلمي هذا الزّمان يستعدّون لاستقبال شهر رمضان، أكثر من استعداد أسلافهم لدخول حرب طاحنة، أمّا هم فقد كفوا أنفسهم شرّ الحروب وارتضوا الذّلّ والخنوع، مع أنّ الملايين منهم لا يصومون، وتظهر استعداداتهم من خلال التّهافت على الأسواق وشراء الموادّ الغذائيّة وتخزينها ممّا يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار.
وتعمل وسائل الإعلام على تأجيج الإستعدادات لهذا الشّهر الفضيل، وتتسابق في تقديم المسلسلات التّلفزيونيّة والإذاعيّة، وتخصّص الصّحف الورقيّة الصّفحات للكتابة حول فضائل هذا الشّهر، وغالبيّة المسلسلات التّلفزيونيّة مسلسلات كوميديّة ساخرة لا علاقة لها بشهر رمضان ولا بالعبادة، بل تشكّل ملهاة للنّاس عن أمور دينهم وأمور دنياهم. وكأنّ الصّيام مرهق وقاتل للصّائم، فتأتي هذه المسلسلات للتّرفيه عنه!
ويلاحظ كثرة المنافقين والمرائين في هذا الشّهر الفضيل، من خلال موائد الإفطار الجماعيّة التي يقيمها أثرياء في غالبيّتهم من المتنفّذين الذين أثروا بالحرام وبسرقة قوت الفقراء، أو من تجّار المخدّرات الذين ساهموا ويساهمون في تدمير الأمّة وضياعها، ولكم أن تتصوّروا أنّ من أكبر موائد الإفطار في إحدى العواصم العربيّة تقيمها راقصة إغراء. والمضحك المبكي أنّ وسائل الإعلام تغطّي وبالصّور أخبار مرتكبي الموبقات التي تزيد على سبع، وهم يؤدّون العمرة ويطوفون حول الكعبة المشرّفة، وكأنّهم حرّروا الأمّة من هزائمها المتلاحقة!
ويزداد إعلام العهر عهرا وهم ينشرون صورا لموائد خاصّة تحوي ما طاب ولذّ من الطّعام، دون أن يكون للجياع وللمحرومين نصيب منها في شهر رمضان وفي غيره من أشهر السّنة.
لكنّ المحزن أن يتباهى البعض بحسن نيّة أو بسوئها بنشر صور له وهو يقف في باحات أحدّ المساجد العظيمة المباركة كالكعبة المشرّفة أو المسجد النّبويّ الشريف، أو المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، فما المقصود بنشر هكذا صور؟ فهل هو يصلّي ويصوم عبادة وطاعة لله أم للتّباهي أمام خلق الله؟
والمحزن أكثر هم من يقومون بنشر صور بعض المتعفّفين والمحتاجين وهو يقدّمون لهم رزمة غذائيّة، وكأنّهم يمنّون عليهم ويكشفون سترهم ويؤذونهم في هذا الشّهر الفضيل.
وهنا لا بدّ من التّذكير بالعمل الإنسانيّ العظيم الذي يقوم به الدّكتور فهمي شراب في قطاع غزّة المحاصر، حيث يجمع التّبرّعات ويساعد بها أشخاصا وأُسرًا من المتعفّفين، دون أن يذكر اسم أيّ منهم، ودون أن ينشر صورة تظهر ملامح من استفاد من هذه المساعدات ذات الأهمّية الكبرى رغم ضآلة قيمتها المادّيّة.
ويزداد الأمر حزنا كثرة الخطابات والكتابات والدّعوات حول ضرورة الإنضباط والصّبر، وعدم المشاجرات في هذا الشّهر، وكأنّ شهر رمضان شهر الجنون وضياع العقل! فالأمر إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه.
فهل نتّقي الله في شهر رمضان ونعبد الله بإيمان صادق بعيد عن التّظاهر؟ ويحضرني هنا ما قاله أحد المسنّين، عندما كان يخطب إمام مسجد في صلاة الجمعة، وردّد أكثر من مرّة” لا أوحش الله منك يا رمضان”، وتمنّى لو أنّ كلّ أيّام السّنة رمضانا وصياما، فقال له المسنّ، كفانا الله شرّ أمنيتك، ونحمد الله أنّنا استطعنا صيام هذا الشّهر.
29-3-2023