شوقية عروق منصور |فلسطين
حين نسمع أو نقرأ عن سلخ جلد يتم في مهرجانات المال، تصاب نوافذ الدهشة بالاستغراب إلى هذا الحد وصل الانسان؟ سابقاً باع الانسان أو تبرع بقطع من جسده ، ولكن سلخ جلد الانسان وبيعه على صورة محفظة جلدية أو حذاء فهذا الوصول إلى حافة المجهول وماذا سيبيع هذا الإنسان في المستقبل؟ وهل وصلنا إلى عناق الوحشية حتى ممارستها على أرواحنا التي تبدو أنها ترتدي كمامات الاستخفاف.
عبر أحد مواقع الشركات البريطانية التي تعرض مختلف المنتجات، نسقط في الهاوية هناك منتجات مصنوعة من جلد الإنسان حيث يصل الحذاء إلى ( 18 الف يورو ) والمحفظة الجلدية ( 9 الآف يورو والحزام الرجالي 10 ألاف و 500 الف يورو )، فهناك من يبيع جلده بعد الموت وأن عملية البيع قانونية ويقبض الثمن، أو الورثة يقبضون الثمن، وأن هناك دباغة للجلد أيضاً حيث يتحول جلد الانسان إلى أي لون يليق بالحذاء أو الحقيبة التي سيصنع منها ، ويتباهى المشتري بأنه يرتدي حذاءً من جلد الانسان مائة بالمائة ، ولم تعد جلود التماسيح والحيوانات تتصدر واجهات اهتمام الجمعيات وبعض الذين كانوا يقفون في تظاهرات رحمة بالحيوانات ، ففي ظل بيع جلد الانسان كل شيء مباح .
تخيلت الانسان يذهب إلى قبره دون جلد ، فقد خلعه كما يخلع القفاز، صورة اقتحمت شاشة التلصص على أخبار العالم ..!! وأخذت أتساءل .. هل فرغت بطاريات الإنسانية حتى يبيع الانسان جلده ؟؟ وماذا يبقى له ؟؟
هناك من يطل ويستخف بأنفاسي التي تحمل رائحة السذاجة وتلعب لعبة “الغميضة” ألم تسمعي يومياً عبارة “سلخ الجلد”؟.
وأعترف كثيراً ما كانت أمي تهددني حين أقوم بعمل لا يعجبها بسلخ جلدي ، بالطبع كانت لا تسلخ جلدي ويذهب التهديد في فضاء الأمومة ، وفي المدرسة غالباً ما كان يردد المدير أو أحد الأساتذة عبارات سلخ الجلد وترك العظم للأهالي، ولكن أقصى ما كنا نجده العصا حين تنهال على الأيدي، وتبقى ذكريات الكلمات العابرة داخل امتلاء حقول الروح التي تشتاق أحياناً لتلك العبارات .
بوسع عبارة “سلخ الجلد” أن تعود إلى الواجهة و نتلفع بأوراق دفاتر الحزن ونطلق أجنحة التاريخ على صور التعذيب و سلخ الجلود التي قام الانسان القوي بممارستها عن سابق إصرار وترصد ، مستغلاً ضعف الشعوب وعدم مقاومتهم ، والأدهى أن هذا الانسان كتب مدافعا عن نظرياته الوحشية في سلخ الجلود والأوطان.
ولكن اعترافنا تحت وميض فلاشات التصوير والكاميرات ، أن سلخ جلودنا يتم يومياً من خلال ممارسة الاحتلال لقوانينه وخناجره وطعناته واقتحاماته وعجرفته وحقائبه التاريخية التي يفتحها فتغرق الأيام بفيض من الأكاذيب والصور التي ينفخونها كبالونات ملونة نسعى وراءها بإبر مصنوعة من عظامنا وعظام جدودنا.
يجب أن تذكر المواقع البريطانية التي تبيع جلود البشر أن حكوماتها قامت بسلخ جلود الشعوب، وما زالت جلودنا حتى اليوم يتم سلخها في كل مكان تتبعثر فيه الحكاية الفلسطينية ، ويتم سلخ الشهقات وصدى الحنين وكرنفالات الغناء والدبكات والأكلات والثياب ومسامات تأشيرات الاحلام.
أما حين تركض السنوات في السجون الإسرائيلية وتلتصق الآهات بتنفس جدران الزنزانات وتنضم القضبان إلى مدارس القمع وتسلخ الجلود سنة بعد سنة، ويتوهم الجلاد أن الضوء قد هرب وانطفأ ومات ، وما أن يخلع حذاءه الجلدي ليرقص رقصة الزهو والسيطرة وتمزيق الإرادة ، يكتشف أن الجلود ما زالت تحمل القدرة على التنهد وتغطية الوجع بابتسامة الانتصار.
بين طقوس سلخ الجلد البشري وتحويله الى أحذية وحقائب وأحزمة وبيعه في الأسواق نظرت إلى عظامنا المكسوة بجلد التحدي ، أليست المفاوضات والتطبيع والتنازلات واللقاءات بيع جلودنا في الأسواق أيضاً .