إسرائيل والعدالة الدولية
سمير عادل| كاتب عراقي
إن نقطة قوة جر إسرائيل الى محكمة العدل الدولية تكمن بأنها جاءت من قبل دولة لا تنتمي الى “الأمة العربية” ولا إلى “الأمة الإسلامية”، وفضلا على ذلك تعترف بإسرائيل، ولا يوجد اسمها في لائحة معاداة السامية.
لسنا من المتوهمين بمحكمة العدل الدولية، ولا يخفى علينا بأنها جزء من مؤسسة شرعت بفرض حصار ظالم ووحشي من قبل مجلس الأمن على جماهير العراق مدة ثلاثة عشر عام بحجة معاقبة نظام صدام حسين لاحتلال الكويت. وحينها قالت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت في مقابلة مع إحدى القنوات الأمريكية بأنه يستحق موت أكثر من ٢٠٠ ألف طفل عراقي بسبب نقص الغذاء والدواء ردا على سؤال محاورها بأنه هل يستحق هذا العدد من الضحايا ثمنا لسياسة أمريكا تجاه العراق، ولم تتحرك حينها محكمة العدل الدولية، ولا بعد غزو واحتلال العراق وقتل الآلاف من جماهير العراق تحت عنوان نشر الديمقراطية، بعد فشل إثبات امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل أو لديه صلة بتفجيرات الحادي عشر من أيلول، هذا غيض من فيض، فملفات جرائم أمريكا وعموم الغرب لا تعد ولا تحصى في أفغانستان وفيتنام وكوسوفو والبلدان الأفريقية، ومع هذا لم تحرك محكمة العدل الدولية ساكنا.
وبشكل آخر نقول؛ إن جرائم إسرائيل ليست بجديدة ضد الفلسطينيين، حرب الإبادة التي تشنها اليوم في غزة تجري على قدم وساق منذ أكثر من سبعة عقود ونصف، إلا أن الجديد هذه المرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت في منع وصول ملف الدعوى المقامة بحق إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، وتعكس هذه الحالة انحسار النفوذ السياسي للولايات المتحدة الأمريكية في العالم، والتي تعكس ضعفها أيضا بالسيطرة على المؤسسات الدولية. وهذا هو الفرق في حالة العراق في عقد التسعينيات من القرن العشرين الذي أعلن حينها النظام العالمي الجديد بزعامة أكبر دولة بلطجية حتى غزوه واحتلاله ودون أي ترخيص من مجلس الأمن ولا أية مؤسسة دولية، وبين ما يحدث اليوم وتحديدا أمام محكمة العدل الدولية. ويجدر الإشارة أن دفاع الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية عن إسرائيل، ونفى وزير الخارجية الأمريكي بلينكن تهمة الإبادة الجماعية عنها، هي في الحقيقة دفاعا عن سياستها، دفاعا عن جميع مواقفها ودعمها العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل. وإذا ما أدانت محكمة العدل الدولية إسرائيل فهي إدانة صارخة وسافرة بحق كل سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، وهذه ما تخشاه الإدارة الأمريكية أكثر ما تخشاه إسرائيل.
بيد أن دلالات جر إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية وبغض النظر عن أية نتائج تسفر عنها، تصل إلى جوانب أخرى وحيوية، منها بدء العد التنازلي لأفول التضليل الإعلامي العالمي، أي نهاية الاستفادة القصوى من تهمة (معاداة السامية) لقمع حرية التعبير التي لطالما كان الغرب يتبجح بها بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، فعشرات الموظفين أوقفوا عن العمل أو وبخوا أو طردوا بسبب تغريدة أو كلمة تضامن مع الشعب الفلسطيني، وقد دحضت إذا لم نقل مزقت مرافعة محامي دولة جنوب أفريقيا أمام قضاة المحكمة صفحات وصفحات من الرواية الإسرائيلية التي روج لها الإعلام الغربي وخاصة الإعلام الرسمي والمأجور في الولايات المتحدة الأمريكية. – وبات جزء من العالم المتوهم بواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط التي تسمى إسرائيل -، ينظر اليوم بأم عينيه كم كان مخدوعا بالرواية الإسرائيلية التي صورت الفلسطينيين أنهم لا يستحقون الحياة لأنهم يكرهون إسرائيل ويعادون السامية.
وها هي المحكمة الدولية تدفع نتنياهو ليظهر بإطلالته غير البهية عشية جلسات اليوم الأول، ويقول لنا: إن إسرائيل لا تنوي احتلال غزة وأنه لا يقاتل سكان غزة بل إنه يحارب حماس، بعكس تصريحاته السابقة هو وأعضاء حكومته النازية مثل وزيرا المالية والأمن القومي في إسرائيل بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير التي كانت من الوثائق التي قدمت على طاولة المحكمة، وهي أي تلك التصريحات تقطر عنصرية ويدمى لها جبين الإنسانية.
وأخيرا بقدر إن تحرك دولة جنوب إفريقيا لرفع دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تثبت ما ذهبنا إليه سابقا أن القضية الفلسطينية هي قضية ضمير الإنسانية، قضية تضع أسئلة كبرى على ماهيتنا الإنسانية متجاوزة كل معتقد ودين وقومية وعرق وجنس، بنفس القدر هي يوم حداد لمن يسمون أنفسهم بالمقاومة والممانعة، لأنها أي دولة جنوب أفريقيا سحبت البساط من تحت أقدامهم وأغلقت أمامهم أسواق المتاجرة بالقضية الفلسطينية، وقامت بتمزيق هويتها الزائفة، فلا عزاء لها سوى إقناع حكومة جنوب أفريقيا بالانضمام إلى محور “المقاومة والممانعة” عسى ولعل يكون سلوان لها.