نبيهة راشد جبارين | فلسطين
خِلسةً عادَ إلى بيتِهِم الذي اقتُلعوا منهُ عُنوةً، باكراً سَرى،يُؤنسُهُ انفراجُ سُدولِ الظَّلامِ عن الغَلَسِ في الأفقِ الذي يشتاقُهُ.أسرعَ إليها كَمَن يلتقي محبوبتَه بعدَ حَجْرٍ وفُراقٍ. لا وقتَ للمناجاةِ الآن، اقتلَعها بشوقٍ، رغمَ قسوةِ الاقتلاعِ التي مرَّ بها، احتضَنها، حملَها وركضَ بها الى بيتِهم في القريةِ المجاورةِ، فَرِحاً كمَنْ نجحَ في إطلاقِ سراحِ سجينٍ. حفرَ تارةً بالمِعْولِ وتارةً بيديهِ، ثمَّ زرعَها قريباً، بابَ البيتِ. تلك هيَ شجرةُ اللَّيْمونِ من أرضِ اللَّجون. ظلّتْ تؤنِسُهُ بِوَشْوَشاتِ الوفاءِ كلَّ ليلةٍ. وبعد عدَّةِ سنواتٍ عندما مَرَّ من قُربِ المكانِ الذي يحتفظُ بالذِّكرياتِ، شاهدَ شُجيرةَ ليمونٍ قد نَمَتْ وتَعالتْ مكانَ أُمِّها، لوَّحتْ لهُ بأَغصانِها الرَّطيبةِ، وأرسلتْ لهُ أنفاسَ عِطْرِها، وابتسامةً من ثَغْرِ أَزهارِها البيضاءِ الوَفِيَّةِ.