صناعة ألقاب الفخامة عند العرب
توفيق أبو شومر | فلسطين
(سعادة.. نيافة… عطوفة.. سماحة.. جلالة… فضيلة… معالي.. قداسة… دولة.. فخامة… بيك… أمير… خانم… سمو…. المعظَّم…. المبجَّل) إنها الألقاب والكُنى التي تسبق أسماء مسؤولينا وحكامنا ورؤسائنا، والتي درسها وأشار إليها المفكر العربي عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد حينما قال: “إذا أردتَ أن تعرفَ تاريخ الاستبداد في أية أمة، عليك أن تغوص في لغتها، فإذا كانت تغصُّ بألفاظ الفخامة والجلالة والسمو، فاعلم أن تاريخها في الاستبداد تاريخ عميق الجذور”
إن مَن يتابع بعض نشرات الأخبار في وسائل الإعلام العربية، لا يحتاج إلى نبش اللغة العربية حتى يصل إلى استنتاج الكواكبي الذي توفي عام 1902،فما تزال صناعة صقل ألقاب الفخامة ومَن يُشبههم هي الصناعة الأوسع في العالم العربي وإعلامه!
اهتدى الآخرون من غير العرب إلى هذه الصفة، واستخدموها لجني المكاسب السياسية والاقتصادية من أمة العرب فأناموهم مغناطيسيا على وقع ألقاب الفخامة والسمو والعظمة والجلالة والرفعة، بعد أن درسوا تاريخ العرب في مجال ألقاب الفخامة.
وهانذا أقتطف رسالة تغريرية تستخدم مصكوكات الألقاب العربية، وهي من الأرشيف العربي والبريطاني، أرسلها المعتمد البريطاني في مصر اللورد مكماهون لشريف مكة، حسين بن علي، ملك العرب عام 1915 يعِدُهُ فيها باستقلال بلاد العرب نظير أن يساعدهم العربُ في حربهم ضد العثمانيين، وكان من ثمارها أنهم غرروا بالعرب واستعمروهم !
إليكم مقدمة الرسالة كما هي في الأرشيف: (إلى السيد ، الحسيب ،النسيب، سليل الأشراف، وتاج الفخار، وفرع الشجرة المحمدية، والدوحة القرشية الأحمدية، صاحب المقام الرفيع، والمكانة السامية، السيد ابن السيد، والشريف ابن الشريف ، السيد الشريف المبجل {دولتلو}الشريف حسين ،سيد الجميع، أمير مكة المكرمة ، قبلة العالمين ، ومحط رحال المؤمنين الطائعين ، عمّت بركته الناس أجمعين.
بعد رفع وافر التحيات العاطرة ، والتسليمات القلبية الخالصة ، من كل شائبة ، نعرض عليك أن لنا الشرف بتقديم واجب الشكر ، لإظهاركم عاطفة الإخلاص ، وشرف الشعور والاحساسات نحونا)!!
انتهت منحوتات ألقاب العظمة في مقدمة الرسالة !!!
ثار كثيرون على ألقاب الفخامة والجلالة والسيادة والعطوفة، ومنهم الشاعر الذي قال بيتين كانا أشهر من اسم قائلهما، فالبيتان الشهيران يُنسبان تارة للشاعر محمد بن عمار وتارة أخرى للشاعر ابن رشيق القيرواني،وفي البيتين يهزأ قائلهما بألقاب دولة الأندلسيين:
(المعتمد… المعتضد… المنصور…. الناصر… والقاهر…. والظافر… والمستكفي…. المقتدر ….)
قال:
مما يُزّهِّدُني في أرضِ أندلسٍ…. ألقابُ معتمدٍ فيها ومعتضد
ألقابُ مملكةٍ في غيرِ موضعها…. كالهِرِِ يَحكي انتفاخا صولةَ الأسدِ
ابتسمتُ وأنا أتذكر قول شاعرِ ساخر آخر هو الشاعر أبو بكر الخوارزمي الذي علَّلَ تلك الظاهرة في عصر بني العباس وأرجعها إلى أن الألقاب يمنحها الملوك البخلاء كبديل عن النقود، فهي رخيصة الثمن، لا تحتاج إلى ميزانيات!!!
قال:
ما لي رأيتُ بني العباسِ قد… فتحوا من الكُنى والألقابِ أبوابا
ولقبوا رجلا، لو عاش أولهم…. ما كان يُرضى به للخانِ بوَّابا
قَلَُّ الدراهمِ في أيدي خليفتنا…. هذا فأنفقَ في الأقوامِ ألقابا !!