المصداقية.. تُنتهك ما بين الحقيقة ووسائل التزييف
د. هبة العطار | القاهرة
من صفات المؤمن … إذا حدث صدق.. وهناك مقولات مثل… الرجل يربط /يؤاخذ/ يحاكم من لسانه.. قديما قبل سن القوانين الوضعية ونهوض التشريعات لفض المعاملات والنزاعات بين الناس والمستقاة من الشريعة كانت تتم كل المعاملات وفض النزاعات بالاتفاقيات الشفاهية والإشهار أى إعلان الاتفاق أمام مجموعة من الناس كشهود عيان لتوثيق الاتفاق.. ولكنه أيضا توثيق غير ملموس إلا فى ضمائر من تم الوثوق بهم لتأكيد الاتفاق على التجارة أو البيع والشراء أو الزواج… الخ
قديما كانت تسير أمور الحياة كافة شفاهية ويدار الأمان والحماية وحقوق الناس بينهم وبعصهم البعض والطمأنينة والثقة بالكلمة… كانت الكلمة عقدا مبرما لا رجوع فيه..حين كانت الكلمة فعلا والمرء رجل أو امراة يلتزم بكلمته التى لا رجوع فيها لأنها خرجت من شفتيهما ولا يمكن ردها….
هذه الأيام افتقدنا الثقة فى الكلمة… أصبحنا إن طلبنا من أحد شيئا وكان رده (إن شاء الله) أ و (أبشر) نقول له ونكرر هل ستقوم بإنجازه بالفعل؟! .. نتشكك مع أن الكلمة تعنى تقديم المشيئة لله التى لا تنفى عزم قائلها عن الفعل… ولكن الكلمات فقدت معناها من تناقض الكلمات مع أفعالنا… نحن نقول ما لا نفعل والعكس…. باختصار (فقدنا فعل الكلام) ففقد الكلام مصداقيته حين يقال.. وفقدت المعلومات المستقاة من كافة الوسائل الإعلامية المنوطة بنقل المعلومات والمعرفة للجمهور بقدرتها على الإقناع من خلال الوثوق بها ومصداقيتها كبوابة أولى للاقتناع بها وتنبنها ونقلها اوالعمل بها من عدمه إن كانت تحفز على فعل ما لأهداف إيجابية أو تنموية…. الخ
مع دخول التكنولوجيا ووسائل التزييف العميق والذكاء الاصطناعى وخلافة وإمكانية تغيير كافة ملامح الحقيقة وطمسها أصبح لا وثوق فى أى شيء نسمعه أو يقال أو نشاهده حتى بأعيننا على كافة الوسائل الالكترونية وعلى مواقع التواصل وحتى بعض المواقع الإخبارية التى بعضها هزلى وغير أخلاقى … سنعود مره أخرى للوثوق بحواسنا الخاصة فى استقاء المعلومات.. مالم نشاهده حقيقة بأعيننا مالم نسمعه حقيقة بآذاننا… كله قابل للشك وكله حقيقة غير مثبتة وكذب غير مشفوع بدليل على صحته….
فالعالم الآن لم يعد يبذل جهدا فى تقديم الصدق.. ولكنه يخترع كل الوسائل التى تبدع فى تقديم ونشر الكذب بما يزيف معظم الحقائق ويجعل العقل لجميع المتلقين فى حالة غير آمنة.. أصبحنا لا نتمتع بالأمن المعرفى والثقة فيما نقرأ او نسمع أو حتى نشاهد .. بل نعيش زمن الشك المعرفى الديكارتى فى كل ما يحيط بنا وينقل لنا… والأمر يتضخم ويستفحل ويزداد خطورة وتأثيرا سلبيا فى حق المتلقى فى المعرفة .. ، ولا نعرف إلى أين سنذهب ! .
منظومة القيم كلها انقلبت راسا علي عقب احسنتي دكتوره