مع صلاح عبدالصبور في مكتبه
د. ناصر عراق | القاهرة
التقيت الشاعر الرائد المجدد صلاح عبدالصبور مرة واحدة فقط. كان ذلك في مارس 1981، حيث ذهبنا إليه محمد القدوسي وأنا لنطلعه على العدد الأول من مجلة (أوراق) التي أصدرناها مع سعيد شعيب على نفقتنا الخاصة.
كنت طالبا في كلية الفنون الجميلة بالزمالك آنذاك، وكنت مفتونا بشعر عبدالصبور أيما افتتان، لدرجة أنني كنت أحفظ العديد من قصائده والكثير من حواراته المسرحية في (مأساة الحلاج)، و(مسافر ليل)، و(الأميرة تنتظر) و(ليلى والمجنون)، و(بعد أن يموت الملك).
ذهبنا إليه في الهيئة المصرية العامة للكتاب إذ كان يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة. قلنا لسكرتيرته السبب وراء الزيارة، فكتبت اسمينا في ورقة ثم دخلت مكتبه لتخبره وعادت وطلبت منا الانتظار.
جلسنا متوترين في غرفة السكرتارية نحو 55 دقيقة، حتى سمح لنا بالدخول. لم تكن صوره منتشرة في الصحف، ولكننا عرفناه سريعا، رغم وجود عدد من الضيوف كانوا في غرفته أذكر منهم مرسي سعد الدين رئيس هيئة الاستعلامات آنذاك وشقيق الموسيقار المدهش بليغ حمدي.
كان الشاعر الكبير يرتدي بدلة صيفية رمادية اللون وكان نحيلا بشكل ما ذا بشرة حنطية غامقة نسبيا. وقد طلب منا أن نحمل مقعدين من آخر الغرفة الواسعة ونجلس بجواره وقال ضاحكا : (أنتم لسه شباب).
وبالفعل حملنا المقعدين وجلسنا معه وأطلعناه على المجلة، فتصفحها سريعا ووعد بإجراء حوار معه، وهو ما كان حيث نشر الحوار في العدد الثالث من (أوراق).
بعد ذلك بسنوات طويلة سألت عن دراما ليلة موته المفاجئ في 13 أغسطس 1981، سألت كلا من صديقه الشاعر المجدد الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي حيث تعرض الرجل لأزمة قلبية في منزله، وقد زرت الأستاذ حجازي في منزله غير مرة بمصر الجديدة ورأيت الغرفة التي ارتاح فيها عبدالصبور قليلا قبل أن يذهبوا به إلى مستشفى هوليوبوليس القريبة إذ فاضت روحه الطاهرة.
وسألت أيضا الناقد الكبير الراحل الدكتور جابر عصفور الذي كان ضمن الحضور في بيت حجازي، والناقد الراحل الأستاذ فاروق عبد القادر الذي حقق هذه الواقعة المؤسفة. وكذلك الكاتب الراحل الكبير الأستاذ رجاء النقاش الذي أوضح لي الكثير. وعرفت بالتفصيل ماذا جرى بالضبط، وماذا فعل أمل دنقل، وكان معهم، وماذا فعل الفنان الكبير بهجت عثمان… وسوف أكتب يوما ما سمعته من ندماء تلك الليلة المشهودة.
في الذكرى 42 لرحيل صلاح عبدالصبور اليوم 13 أغسطس أتذكر دوره المؤسس في تطوير الشعر العربي في مصر وأتمنى الحفاوة به من قبل الدولة المصرية بشكل يليق بتجربته الفذة والاستثنائية.