قراءة في رواية “المهطوان” للأديب: رمضان الرواشدة
صدرت في 2022 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت
بقلم: رفيقة عثمان
رواية “المهطوان” تثلفت الانتباه والتّشويق لقراءتها من عنوانها الغريب؛ العنوان يجعل القارئ في حالة اندهاش للوهلة الأول؛ نظرًا لعدم شيوع هذه الصّفة واستخدامها في حياتنا الاجتماعيّة، ممّا تستدعي البحث حول المعنى والدّلالة لهذه الصّفة.
من قراءة الرّواية يستشّف القارئ هذا المعنى، ألا وهو: صفة للرجل الفارع الطّويل وضخم الجّثّة– فهو اسم لبطل سرّي وحركي سياسي لبطل الرّواية؛ أسوةً بمهطوان حيفا؛ والّتي أصلها مطوان وحرّفها الجنود الأردنيون الّذين خدموا في فلسطين إلى اسم مهطوان.
اختار الكاتب شّخصيّة المهطوان المُتخيّله؛ لتسليط الضّوء عليها، وتحريكها وفق الأحداث في السّرد الروائي؛ لذا نلاحظ استخدام الكاتب للحوار الذّاتي كحوار هو الغالب على الحوارالخارجي؛ مستخدمًا بصيغة الرّاوي اُلمتحدّث بضمير الأنا، ممّا يضيف مصداقيّة للسّرد الأدبي، وتقريبه من الواقع؛ في وصف الصّراع الذّاتي، والصّراع السّياسي والاجتماعي في مرحلة اجتماعيّة، سياسيّة، ثوريّة في المجتمع الأردني.
زمن الرّواية يبدو واضحًا، ممكن استنتاجه من خلال سرد الرّواية، أثناء اجتياح لبنان عام 1982، كذلك عندما غادرت سلمى فلسطين، وأغلقت جامعة بير زيت اثناء الانتفاضة؛ للدّراسة في الجامعة بالأردن؛ سنة 1987.
دارت أحداث الرّواية في الأردن، ما بين عمان والكرك، وفلسطين. وحظي المكان بمكانة هامّة في الرّواية، من حيث الرّبط بين فلسطين والأردن، كذلك عزّر الكاتب قضيّة الامتزاج بين الشّعبين: الفلسطيني والأردني، من خلال شخصيّة البطلين: سلمى الفلسطينيّة، والمهطوان أردني الجنسيّة.
من الممكن إدراج الرّواية تحت تصنيف مسمّى السّيرة الذّاتيّة، والرّواية التّاريخيّة والسّياسيّة الثّوريّة والوطنيّة؛ حيث غاصت الرّواية في وصف المعاناة ومشاعر الحزن والألم، لبطل الرّواية “المهطوان” جرّاء انتمائه الحزبي، وزجّه في السّجن لفترة مدّتها عشرين عامًا. عشرون عامًا من الوحدة والعذاب، وابتعاده عن زوجته وابنه نضال، الّذي عاد إلى فلسطين مع امّه سلمى.
طغت عاطفة الحزن والألم والفراق، على كافّة محتوى الرّواية من بدايتها حتّى النّهاية، هذه العاطفة خلقت الدّافع في نفس الرّوائي نظم قصائد الشّعر، على لسان الرّاوي “المهطوان”؛ لذا تحلّت هذه القصائد بجماليّة اللّغة والتّعبير الرّومانسي، والثّوري أحيانًا أخرى.والعاطفة الوطنيّة والحنين ظهرت جليًّا في شخصيّة الرّاوي البطل. كما ورد ص 74 “لماذا لا أملك في قلبي سوى حزني وأحلام النّهار”،”هل أعبّر وأفتح عن قلب أغلقه الوجع وأدماه الحزن، فبات صريعًا”. ص 71.
نهج الكاتب في استعمال تقنيّات متعدّدة في الأسلوب للبناء الرّوائي، مستخدمًا الاستذكار الرّجعي، وتدوين المُذكّرات في المفكّرة، وتداول الرّسائل بين سلمى والبطل المهطوان؛ كذلك استخدام شخصيّة القرين (الشّخصيّة الوهميّة المصاحبة لشخصيّة البطل).
استخدم الكاتب الرواشدة، بعض التّناص الدّيني، مثال على ذلك: “حين كنت في المهد صبيًّا .. سلام عليها يوم كانت ويوم خربت ويوم تصبح ذكرى وأطلالا بعيدة” صفحة 66. (سورة مريم: 29) “فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا”. “والسّلام علي يوم وُلدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّا” مريم 33.
ورد تناص شعري “نبوءة الطرفة قالت يا ولدي السّجن عليك هو لمكتوب” صفحة 70. (قالت يا ولدي لا تحزن.. الحب عليك هو المكتوب” من أغنية قارئة الفنجان، لعبد الحليم حافظ.، للشاعر السّوري نزار قبّاني.
اقتبس الرّوائي بعض الاقتباسات لأغاني مختلفة ومن ضمنها أغنية فيروز ” وحدن يبقوا مثل البيلسان.. وحدن بيقطفوا أوراق الرّمّان ص 61..” كذلك ” إن عشت فعش حرًّا أو مت كالأشجار وقوفًا” ص 68 . للشاعر الفلسطيني محمود درويش، وغيرها من الاقتباسات.
تحلّت الرّواية في بعض مواقف المُفارقة السّاخرة، وتعابير التّهكّم ذات الدّلالات السّياسيّة المُبهمة؛ كما ذكر الرّوائي حول التعتيم الإعلامي، عندما اندلعت مظاهرات في الجامعة الأردنيّة، ولم يُنشر خبر حول الاحداث السّياسيّة في الأردن؛ بينما نُشرت الأخبار ذاتها في كافّة الإذاعات العالمية، فذكر الكاتب فيما معناه “دعونا نستمع لإذاعة مونتيكارلو؛ لمعرفة أخبار الأردن”!. موقف آخر، عندما قال المُحقّق للمهطوان مستهزئًا: “يجب أن يعمل لك أبوك طابو لرجلك الطّويلة”؛ كذلك ” إلّلي ربّع ربّع والّلي قبّع قبّع، والّلي طبّع طبّع، ولّلي قبّع قبّع”. هذه العبارات أتاحت للكاتب التّعبير عن نفسه بحريّة، دون استخدام العبارات المُباشرة، خاصّةً فيما يتعلّق بالمواقف السّياسيّة والصّراعات، في ظل حكم لا يتيح الفرصة بالتّعبير عن الذّات بحريّة وبشكل ديموقراطي.
ظهرت بعض الموتيفات بالرّواية مثل: “آه كم أفتقدك يا نضال”، و”أين أنتِ يا سلمى”؟ دلالات هذا التّكرار تشير إلى أهميّة هاتين الشّخصيّتين في حياة البطل؛ وشدّة الحزن الّذي ينتاب البطل، والشعور بالمعاناة والحزن؛ وشدّة الحنين والاشتياق لكليهما.
إنّ اختيار اسم الطّفل ب نضال، له دلالة خاصّة في الرّواية، نضال هو ابن سلمى والمهطوان، وُلد لأب مناضل وثائر، وأم مساندة له في طريق نضاله، وثمرة ذلك هو الابن نضال. ربّما هو الرّمز للنّضال المشترك الفلسطيني الأردني؛ ولاسم سلمى نصيب من دلالة النجاة من الهلاك والسّليمة، فهي تعني السّلام والحب والسّلامة؛ وشخصيّة عودة، تعني الدّلالة على العودة. حدّد الكاتب جنسيّة سلمى البطلة المحبوبة، بالفلسطينيّة المسيحيّة، تُرى! هل قصد الكاتب بهذا التّحديد؛ دمج فئات المجتمع، والمساواة بين الدّيانات والجنسيّات المختلفة ؟ برأيي: لا حاجة لذكر الدّيانة الّتي تنتمي إليها سلمى.
رواية المهطوان، رواية مختصرة جدّا ولا تتعدّى صفحاتها عن المئة صفحة تقريبًا؛ وتبدو الأحداث فيهامتلاحقة ومكثّفة، ويبدو فيها السّرد الأدبي مختصرًا، والرّواية تفتقر للكساء السّردي المُطعّم بالمحسّنات الّلفظيّة، والصّنعة البديعيّة؛ على الرّغم من ذلك بدت لغة الرّواية سهلة وسلسة، فيها بعض الألفاظ الأردنيّة، مثل أسماء بعض الأطعمة الأردنيّة المميّزة؛ كالمجدّرة والرشوف، والمدقوقة، والخبّيزة، ص 62 وما إلى ذلك.. رواية “المهطمون” رواية ممتعة ومؤثّرة جدّا، رواية سياسيّة، واجتماعيّة، وإنسانيّة، ورمزيّة ذات دلالات عميقة تعكس مرحلة هامّة في الأردن والوطن العربي. رواية تستحق القراءة.