كن شجاعًا واعترف بضعفك لتتجاوز الألم

د. هبة العطار | أكاديمية وإعلامية مصرية
الإنسان حين يجبر على العيش تحت ضغط نفسي طويل يظهر طباعا لاتشبهه إطلاقا؛ فالجهاز العصبي حين يرهق يفقد الإنسان مرونته في التصرف والتواصل. فيبدو عدوانيا وهو في الأصل مسالم؛ أو قاسٍ وهو في أعماقه رقيق وطيب، فالانفعالات المفاجئة أو الصمت الطويل أو حتى الانهيارات ليست دائما مؤشرات على سوء الخلق، بل قد تكون صرخات عقل مرهق يبحث عن التوازن وجسد لم يعد يتحمل القتال بصمت.
هذا الواقع يضعنا أمام فصلين متداخلين؛ الأول بيولوجي حيث إن الضغوط المستمرة تعيد ترتيب مواردنا الداخلية، ما ينقطع أولا ليس قيمتنا ولا أخلاقنا بل قدرة نظامنا العصبي على ضبط التصرفات، وجود الكنز لا يعني إننا قادرون على حمله دوما. وأحيانا ينهار حامله مؤقتا تحت وطأة الأعباء حتى لو كان صاحب قلب متسع، أما الفصل الثاني فهو أخلاقى وجودي إذ إن ما يعرف الإنسان ليس ردة فعل واحدة عند نقطة تحمل قصوى. بل امتداد قصته وتاريخ صدقه ومرونته أمام الزمن.
هنا تكمن الخطيئة الاجتماعية. الحكم الفوري على إنسان من لحظة عابرة. نلتقط لحظة واحدة ونرتكب جريمة اسقاطها على كل ما قبلها وما بعدها، ننسى ان الضعف ليس قناعا يكشف الجوهر، بل هو مقياس لحمل راكمته الأيام، لذلك لا تحكم على إنسان من لحظة ضعفه، فالضعف لايكشف حقيقته بل يكشف مقدار ما تحمله بصمت.
الذي ينبغي أن نفعله أمام من ينهار أو يتراجع تصرفه، البداية لا تكون بالعلاج العلمي وحده، بل بنبرة التعاطف والإصغاء، الاستماع دون إطلاق أحكام والسؤال بصدق هل تريد أن تتكلم دون ضغط. توفير مساحة للراحة بدلا من تكثيف المسؤوليات، وملاحظة أن التعافي عملية صعبة وليست نزهة، علينا التمييز بين المساءلة والوصم. نحاسب الافعال حين تتحول الى اذى مقصود لكن لا نقصي انسانا لانه اشعل شرارة غضب خرجت من تعب.
لمن يعيشون تحت وطأة الضغط رسالة بسيطة. اسمح لنفسك أن تكون ضعيفا من دون أن تظن أن هذا تعريفك النهائى، الضعف لا يلعنك إنما يشير إلى ضرورة وقفة وإعادة ترتيب الأولويات وطلب العون إن لزم. خذ خطوات صغيرة، نوم منتظم فترات راحة قصيرة قل لا حين تستنفد، تحدث مع من تثق، ولا تقلل من قيمة المساعدة الواعية مع من حولك ممن يحبونك بصدق . أحيانا يكون الحديث مع من هو مؤهل لاستقبال الألم بعناية واعية ورحيمة هو الخطوة التي تعيد للعقل قدرته على الانضباط.
أعظم أعمال الشجاعة ليست في كبت الضعف بل في الاعتراف به ومشاركته، أن ترى إنسانا في لحظة انهيار فلا تسارع إلى إصدار حكم بل تمد له يدك وتشهد على أن ضعفه لم يكن بريئا من الكرامة. القوة الحقيقية هي التي تحتضن الضعف والرحمة هي التي تعيد للإنسان صورته المكتملة بعد أن تكسرها الألآم، الضعف ليس فضيحة كي نخفيها، بل خريطة تبين لنا أين تكمن الحاجة. وقراءتها برفق هو أن نمارس إنسانيتنا الحقة.




