كُل مَا تَشْتَهِي نَفْسُك!!
بقلم: نبيل عودة
معظم كبار البلد يستهجنون عدم اتخاذه لنفسه زوجة أخرى، خاصة وان الله فتحها بوجهه، منذ غير تجارته، من الأقمشة الى البقالة.
– يا أبو صالح ، ربنا فتحها بوجهك ، وجعلكم من أغنياء الناحية ، وقصده واضح ، وهناك الف فتاة تتمناك … متع أيامك يا رجل .
– ولكن زوجتي أميرة ، تقوم بكل واجباتي وواجبات البيت والأولاد … ولا تترك لي ما أشكو منه .. انا راض بحياتي وهدوء بالي.
– الزواج متعة الحياة يا رجل ، سترى انك كنت مغمضا وغافلا عن متع الحياة، وثم كثرة العيال مفخرة للرجال واكتمال للدين .
– ومن يريد زيادة الأفواه ? أكثر من سبعة على أكتافي .. ثم ، وهذا الأهم ، لا ينقصني شيء مع زوجتي ..
– ولن ينقصك مع الزوجتين ، بل ستبدأ منافسة من ترضيك أكثر لكسب قربك ، والزواج يعيدك لشبابك ولنشوة الشباب الأولى ، وله طعمه الجديد بعد هذا العمر الطويل.. وزوجتك ستكون سعيدة انك أحضرت من تقوم بنصف عملها.
في أمسية امام التلفاز ، وهو يتناول عشاءه ، وحائر فيما يعتريه من أفكار ، قرر ان يجس نبض زوجته :
– أفكر بأن أتخذ لي زوجة أخرى تساعدك بمتاعب البيت والأولاد.. ما رأيك؟
وبدون مقدمات ، ودون ان يرتفع صوتها ، قالت بحزم :
– حد الله بيني وبينك ، طلقني أولا .. اذا تزوجت لن تدخل هذا البيت لا انت ولا هي … والله معك ، هل سمعتني اشكو من عمل البيت لتحضر من تساعدني ؟!
– ولكنه ديننا يا بنت الناس؟
– هذا تخريف عواجيز لا هم لهم الا تخريب بيوت الناس . صار معك فلوس وكثر الطامعين بك.
وصمت مهموما.
عصر كل يوم، كالعادة .. يتجمع امام باحة الدكان أصحابه للتشاور بحال الدنيا والبلد . يحتسون الشاي او يشربون المرطبات في ايام الحر ، وكله من خير الله وخير ابو صالح .
صار حثه على الزواج وشرح فوائدة ولذاته في هذا الجيل حديث الجلسات، وكل يوم يقترحون عليه فتاة أخرى. وكلما أجهدهم الحديث كثر شربهم من المرطبات، طبعا من خير أبو صالح.
كان أبو صالح يحاول مهموما ان يفهمهم ان الرسالة وصلت ولا ضرورة للتكرار ، ولكن لا حياة لمن تنادي .
في أمسية توحد فيها مع الشيخ ، حثه الشيخ :
– بنت صاحبنا ابو الراشد 23 سنة وست بيت من اللواتي يحبهن قلبك .. بنت أبو حامد الساكن في الحارة الفوقا كلها أخلاق وصارت في الثلاثين ووالدها لا يتنازل عن مهرها المرتفع وانت أهل له ..وهو لن يرفض مصاهرتك اذا وصله ما يطلبه . وبنت أبو صابر كثر خطابها ووالدها لا يريد الا ملاكا او شخصا قادرا على تسجيل قطعة أرض او بيت باسمها . وانت لك بدل البيت ثلاثة وعدة قطع من الاراضي.
– يا شيخنا الجليل … اذا تزوجت ، يعني طلاقي ..او القطيعة الكاملة مع زوجتي .. هكذا تهدد .
– من الرجل في البيت ؟ أدبها .. تأديب النساء فرض على الرجال !!
– ما دخل الرجولة هنا.. انت تعرف ان القانون في دولتنا يحميها من التأديب، هل يليق بي ان يشحطوني الى مركز الشرطة لأني ضربت ام اولادي؟
– سكر يدك عنها.. وابتعد عن معاشرتها عقابا لها، وسترى كيف تتراجع وتخضع.
– والأولاد ؟ … وهي .. هل من الدين ان أفرض القلة عليهم ؟ هل أقدر على تناول لقمتي وانا أعرف ان اولادي بالجوع ؟
– هذا ذنبها.. ستأتيك صاغرة راجية ان تمدها هي والأولاد بالطعام .
– لا يا شيخنا الجليل … لا أتصور نفسي اتباخل على أولادي وعلى زوجتي .. زواج كهذا انتحار.
– اذن طلق وتزوج ..؟
– ما أبسط اللفظ وما أصعب التنفيذ.
– وهل تحرم نفسك لذة الحياة .. الا تعلم زوجتك ان زواج الرجل من زوجة أخرى لا يتعارض مع الدين ، بل يكمله ؟
وبدأ الشيخ يشرح فوائد الزواج من زوجة أخرى وانعكاس ذلك على فحولة الرجل ..وعودته الى نشوة الشباب وقوتهم ونشاطهم ، وظهور الحيوية والقوة التي بدأت تضعف، فتتجدد وكأن الرجل الكهل عاد عقد او عقدين للوراء.. الى جانب لذة الجماع مع صبية في عمر الورود.
في الحقيقة ان الحديث اثار الشهوة في نفس أبو صالح ، وبدأت الرغبة تفعل فعلها السحري فيه وهو يتخيل نفسه في سرير واحد مع صبية بعمر الربيع .. ليس بالزنا، انما بالشرع، مما ذكره بأيام فتوته وهو يطارد ام الأولاد حتى ظفر بها وحقق حلم شبابه .. ولكن شيئا ثقيلا يضغط على تفكيره ، يجعله غير قادر على اتخاذ القرار.. حقا يحترم زوجته ، منذ تزوجها أثبتت انها زوجة بصفات طيبة وبعد نظر وفهم لمتطلبات الزوج ورغباته ، ولم تترك مجالا لأي خلاف مع زوجها . في أيام الضيق قوت معنوياته وتدبرت من القليل، ولم تشك لأحد، ولم يشعر أحد بما عبر على ابو صالح وبيته قبل ان يغير تجارته، فكيف يرد لها الجميل اليوم ؟.. ولكن الرغبة التي أشعلها الحديث تحتل مكان العقل أحيانا.
كان على ثقة انه لن يقصر بواجبه تجاه زوجته ام أولاده .. فلماذا يحرم نفسه من لذة الحياة ومتعها وقد أنعم الله علية بالخيرات؟ وكيف يكون موقفه اذا خضع لقيود زوجته وانتشر الخبر في البلد ان ابو صالح لم يتزوج من الثانية خوفا من زوجته؟
اين يخبئ ساعتها وجهه من الرجال؟!
كان يعرف ان زواجه من أخرى يعني القطيعة الكاملة معها .. لذلك الحل بطلاقه وابقائها مع الأولاد في البيت ، تقوم على خدمتهم ، وينتقل هو للعيش مع الزوجة الجديدة.. وربما عندما ترى ان المسألة قد حسمت ، تتراجع وتلين.
الذي حيره انه عندما طرح الموضوع أمامها لم تصرخ ولم تولول .. وواصلت القيام بشؤون البيت، والتصرف الطبيعي معه. وكل ما قالته وبهدوء مثير:
– حد الله بيني وبينك ، طلقني اولا، وارتكب بعدها حماقات كهولتك، ولن تدخل هذا البيت .
هذه القوة في كلامها تحيره. لا تبقي مساحة للأخذ والرد، لعله يطمئنها على سلامة طويته ، وان الموضوع ليس خروجا عن الدين والتقاليد.
لا يعرفها الا خادمة له وللأولاد، لا رأي لها الا رأيه. لا يسعدها الا ما يسعده، ولا يزعلها الا ما يزعله، تستيقظ باكرا لتعد العجين، وما تصير الساعة السابعة الا ورائحة المناقيش بزيت الزيتون والزعتر وبالجبنة تملأ البيت.. يفطر الأولاد وينطلقون لمدارسهم ، نشطاء نظاف الملابس ومرتبين حتى صاروا حديث الحارة ونموذجا يحتذى بنظافتهم ونظافة ثيابهم وشطارتهم في المدرسة.. هل يرتكب حماقة؟ ام هو حقه الذي لا يتناقض مع الدين ويكون الزواج على سنة الله ورسوله، اليس الزواج من أخرى هو تنفيذ للشرع؟
لم يكن قلقه على الأولاد ، ستواصل امهم القيام بواجبهم .. ولكن .. هنا الحيرة ، يقدرها حقا ويريدها ان تظل زوجة له ، وان لا تحرمه من متع الحياة قبل أن يصبح عاجزا يدب على عكاز .. خاصة وان الجميع يقولون ان الزواج بجيله يعيده الى قوة شبابه. فكيف يشرح لها ذلك ؟
لم يطرق الموضوع معها مرة أخرى. وهي لم تسأل .ولكنه يعرف ان قولها هو قول فصل. شاور شيخ البلد فقال له :
– الطلاق ليس محبذا، الا اذا لم نجد سبيلا آخر لمسألة شرعية نصوصها واضحة في الدين.
– لا يوجد .. أعرفها وأعرف انها لن تتراجع عن تصميمها..
– اذن طلقها.. أنت الرجل … فلا تتنازل لقليلة عقل وقليلة دين!!
– وما هي حجتي؟
– غلطها بحقك واصرخ بها انها طالق .
– كيف سأغلطها ولا تترك لي خزقا واحدا اغلطها به ؟
– لدي فكرة، ارسل لها صحارة باذنجان ، وقل لها ان تحضر عشاء لك ولأصحابك .وانت تعرف ان للباذنجان وصفات اعداد كثيرة ، اذا حضرت المحشي ، اصرخ انك تريد المنزلة .. أو المسقعة او المتبل او المقلي او المثوم ، لا بد ان تجد شيئا ناقصا لم تعده ..فترد غاضبة ، وهكذا تنرفز وتهينها وتصرخ بها طالقة.
وهذا ما كان…
في صباح اليوم التالي أرسل صحارة باذنجان كاملة مع طلب ان تحضر عشاء له ولأصحابه.
احتارت بنت الناس، وقالت لنفسها: ” لم يقل لي سيد البيت ما ترغب به نفسه ، لا بأس.. سأرفع رأسك بزوجتك امام أصحابك” .
وبدأت تعد كل ما يعرفه الناس من مأكولات الباذنجان، بل وتضيف من عندها ما تراه جديدا ومناسبا.
لم تبق أكلة باذنجان لم تعدها او تتفنن في تجهيزها، وأضافت من عندها مكابيس الباذنجان الشهية المعدة من وقت سابق .
كانت تركض من زاوية الى أخرى، من الفرن الى الغاز ، من طنجرة المنزلة الى صينية الحلبية ، من مقلى الزيت الى فرن الشوي ، من النقر والحشي ، الى اعداد البابا غنوش ، التي تعلمتها من تلفزيون لبنان .. وعندما أنهت تحضيراتها ، شعرت ان مفاصلها تكاد تتفكك ، والألم يشتد عليها ولكنها سعيدة بالوجبات الفاخرة التي تؤكل الأصابع ورائها ، أعدتها لتكرم وجه زوجها أمام ضيوفه.
القت نظرات الترقب على الزقاق المؤدي للمنزل، وماهي الا لحظات حتى بان سيد البيت برفقة ضيوفه وعلى رأسهم شيخ البلد المحترم ، فشعرت بالراحة والاطمئنان من ضيافته ، ومن البركة التي ستحل على منزلها شرفا باستقبال الشيخ الجليل .
وفجأة ، عندما صاروا بقرب الباب انتبهت ان صغيرها ابن السنة والنصف، قد عملها في غرفة الاستقبال ، فأسرعت تبعده وتلبسه ، وتحضر ما تنظف به برازه ، فاذا بالباب يُطرق ، فأخذت صحنا وطبته على براز الصغير، ولحسن الحظ ان الصغير فعلها قرب الحائط ، مما لا يلفت النظر للصحن المقلوب على الأرض .
استقبلتهم بالترحيب، والدعوة لهم بالخير والصحة… والشكر للشيخ الوقور الذي تفضل أهلا ونزل سهلا.
وبدأت تجلب صواني الطعام التي أعدتها، ولكن زوجها اقلقها بعبوسه على غير عادته، هل يخاف ان لا تكرم وجهه أمام ضيوفه؟ ربما كان متوجسا من فشلها في اعداد الوجبات الفاخرة، ولكنها ام صالح وست الطباخات. عندما وضعت صينية المحشي صرخ ابو صالح على غير عادته منذ تزوجته :
– ما هذا .. فقط محشي ؟
– صبرك يا رجل لم أحضر بعد جميع ما تشتهيه نفوس البشر..
وتوالت صواني المأكولات، التي سمرت عيون الضيوف فوقها حتى كادوا ينسون الموضوع الذي جاء بهم، ولكن زوجها ظل على عبوسه مما حيرها، ليس من عادته ولا طباعه ما تراه اليوم .. وبدأت تشعر ان في الجو توترا وتوقعا لأمر لا تعرفه.
امتلأت الطاولة بكل أصناف المأكولات التي تخطر ولا تخطر على البال من الباذنجان.
قال زوجها بعصبية:
– هذا فقط ما أعددته ؟
– ماذا ينقص الطاولة يا أبو صالح ، قل وسأجعل مارد مصباح علاء الدين يحضر لك ما نفسك به.
فصرخ غاضا :
– اريد خراء .. لا اريد باذنجان!!
اتجهت بصمت نحو الصحن الذي غطت به براز الصغير، رفعته ، وأشارت الى البراز ، وهي تقول بهدوء :
– تفضل.. اذا كان هذا ما تشتهيه نفسك .
فضرب ابو صالح جبينه بيده ، ونظر الى صحبه المذهولين مما يجري، وقال:
– حتى الخراء حضرته لي ، كيف سأغلطها يا جماعة؟