لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
بقلم: خالد رمضان
روى لنا أبو هريرة رضي الله عنه من صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “غُفرَ لامرأةٍ مومسةٍ مرت بكلب على رأس رُكي (بئر به ماء) يلهث كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فغُفر لها بذلك “
ومن صحيح البخاري أيضا نرى من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن امرأةً دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها، ولا أطلقتها تأكل من خشاش الأرض “
المتأمل لهذين الحديثين الشريفين سيدرك ولا محالة أن هذين الفعلين المتناقضين قد لا يكون لهما وزن في ميزان العبد يوم القيامة، فما الصعوبة أن تَسقي امرأةٌ كلبًا !
وما الجريمةُ أن تقتل امرأةٌ هرة !
حسنة صغيرة، وسيئة هينة بمقاييسنا نحن، ولكن هنا وقفة .
كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخبر عباده بأن الذنب الصغير قد يودي بك للهلاك الكبير، وأن الحسنة التي تستهين بها قد تنجيك من اللهيب والزمهرير، فلا تغرنك كثرة الحسنات، ولا تستهن بالقليل من السيئات .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب لكنه رضي بما تحقرون من ذنوبكم” وقال صلى الله عليه وسلم: “القليل من أموال الناس يورث النار“
ومن حديث ٱخر أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على قبرين يعذبان فقال: “إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الٱخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة“
يأتي المرء منا يوم القيامة بأعمال توزن بالجبال، وكما قال العرب: يؤتى الحذر من مأمنه، فتصُدم بصغير من الذنوب لم تكد تلقي له بالاً قد أخذ بك من تلابيبك إلى الهاوية.
ما كنا نتوقع أن تدخل امرأة بغي تتاجر بعرضها الجنة بسبب سقيا كلب من بئر سحيقة، ولكن الله تعالى لمس فيها الرحمة التي وصف نفسه جل وعلا بها فغفر لها ما أسلفت، ولا كنا نعتقد أن تدخل امرأة النار بسبب قطة قتلتها، ولكن علام الغيوب علم مدى حقدها واكتظاظ قلبها بالسواد وفقدان الرحمة حتى سولت لها نفسها الخبيثة أن ترى روحا تُزهق أمام عينيها وتموت ببطء ولا تَحرَّك فيها ساكنٌ .
إن مثل هذه الصغائر كمثل نملة رأت عدوا يأتي من بعيد فصاحت في رفيقاتها : اهربن من أمامه تنجون، فقالت أخرى لهن : لا بل اجتمعن عليه تقتلنه.
إن ما نراه صغيرا قد يكون عند الله كبيرا، قال تعالى ” وتحسبونه هيّنا وهو عند الله عظيم “
حين أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأعمى، وما أعرض عنه زهدا فيه ، ولا ازدراءً له، إنما لانشغاله صلى الله عليه وسلم بقدوم كبار القوم ليعرض عليهم عليه الصلاة والسلام الإسلام، فشُغِل عنه لخدمة الدين، ومع ذلك عاتبه المولى عز وجل بسورة كاملة .
قد نأتي الذنب الصغير فيكون فيه الهلاك الكبير، وقد تفعل حسنة خفية في ليلة مظلمة لا يراك فيها أحد فيقبلها الله منك ، وتكون فلاحا وصلاحا لك .
ما أيسر أن تقبّل رأس أبيك وأمك!
ما أروع أن ترفع كسرة الزجاج من أمام المارة !
ما أسهل أن تلقي السلام على من عرفت ومن لم تعرف!
ما أجمل أن تصلح بين متخاصمين!
ما أهون أن تذكر الله خاليا حتى تفيض عيناك بالدموع!
إن هذه الصغائر من الأعمال لا يعجز عنها أحدنا، ولكن الشيطان يتفهها في عينيك حتى تفقد ثوابها.
إلهي إن عظمت ذنوبي كثرةً
فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ
فبمن يلوذ ويستجير المذنبُ