ذنوب الناس تفسد الحياة
د. خضر محجز | فلسطين
لوحة استشراقية للفنان لوديج ديوتش
قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم/41).
وإن أغلب من يسألون عن حكمة الله في عقاب المؤمنين، إما أحمق لا يفقه ما يقول، أو عدوّ يحاول خداعنا بالأكاذيب.
وكلاهما وجهان لعملة واحدة: هي محاولة هدم قواعد قيامة هذه الأمة: فالعدو يقول لهدف كبير، والأحمق يردد لتعاقل مكذوب، أو كسرة من بقايا الموائد، أو ابتسامة عاهرة..
فلا العدو يكل، ولا الأحمق يستبين.
ووالله إنْ رأيتُ أحمق استفاد من الوعظ، أو توقف عن ترويج الفتن. فإن شجبته قال لك:
ــ إنما أنا مستبين أحاول الفهم.
ووالله ما هو إلا عدو مأجور.
يقول كلا العدو والأحمق:
ــ أتقول إن انحباس المطر ذنب، وها هو المطر يهطل على بلاد الكافرين؟ فلو كان انحباسه عقوبة، لكان الأولى بذلك بلاد الكافرين، فأنت تعلم أن الكفر أعظم الذنوب.
والجواب معروف، وفي كل عام يتكرر، ولكن السؤال مستمر بعدد استمرار توالد الحمقى.
الجواب هو: إن الله يعاقب المؤمنين الذين يعرفونه ويعصونه، ليستقيم حالهم بالتجربة، بالخطأ والعقوبة، ليعودوا إلى طاعة الله. وأما الكافرون فلا حاجة لله بعودتهم، فإن فتح لهم أبواب النعيم في الدنيا، فلواحد من أمرين:
1: إما لينسوا الله تماما فلا يتوبوا، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ (الأنعام/44).
2: وإما ليعاقب بهم المؤمنين العصاة، فيتطلعوا إلى نعيمهم، فيلحقوا بهم إلى الكفر. وإن قارون والذين أعجبوا به مثال، كما تقول هذه الآيات: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴿79﴾ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴿80﴾ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴿81﴾ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴿82﴾ القصص.
وليعلم حمقى ذراري المسلمين، أن من سَنَنِ الله تسليطَ الكافرين على المؤمنين، ليتوب المؤمنون.
ألم يعاقب اللهُ أصحاب رسوله يوم أحد بكفار قريش، أن عصوا الرسول؟
ألم يسلط الله الوثنيين، الكلدان والرومان، على عباد بني إسرائيل، فقتلوهم وسبوهم بما عصى قومهم.
ألا يسلط عليكم الله الآن اليهود بقبحكم.
لكنكم حمقى، تسألون الله ما لا تعلمون، وتطالبونه بأن يغير سننه أو تكفروا بالدين.
سحقا للحمقى.
نعم يمنع الله الغيث بذنوب الناس. وقد صح من كلام آل البيت عليهم السلام: “ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة”