حكايا من القرايا.. “سوق البالة “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

دعونا نسافر إلى المدينة، نستقل الباص ونصل المدينة، نصل المدينة في الصباح الباكر، طبقاً لمقولة ” من سرى باع واشترى ” إذن قبل أن يطير الندى وصلنا المدينة…
في المدينة تفتح أمامنا أبواب كثيرة من الأنشطة التي يمكن أن نقوم بها، الكسدرة في الشوارع النظيفة العريضة والنظر في الفاترينات نشاط بدهي ورئيس نقوم به ونحن في غاية الانبساط… وكأن طاقات السعادة تفتح عليك إذا التقيت بابن بلدتك صدفة… ياه… يغزر الترحاب، والسؤال عن الحال والأحوال، وكأنه غاب عنك سنة ويزيد… تدعوه إلى فطور… وتدعوه إلى صحن كنافة… قد تتفقان، وقد يذهب كل منكما إلى غايته…
من ضمن الأنشطة الشرائية في المدينة، التسوق من سوق البالة أو سوق الدلالة… وسوق الدلالة وما أدراك ما سوق الدلالة… فيه الملابس على اختلافها الرجالي والنسائي، ملابس الأطفال، والشباب… فيه الملابس على اختلاف موسمها، الشتوية والصيفية والربيعية… وفي السوق أيضاً مختلف أنواع الأحذية… الكنادر الجلدية برباط وبدون، وكنادر الطبيخ، والشحّاطات والحفّايات والبلغات (أجلكم الله) والزنّوبا أم أصبع والصناديل البلاستيكية حتى البساطير موجودة… برقبة وبدون… واطلب وتمنى… وعلى جنبات السوق صياح الباعة يدللون على سدور الهرايس، والأرنب الهندي والعرايس والنمّورة… وعلى جنباته أيضاً ينطلق دخان الشواء، ورائحته التي يعبق بها المكان… ياه! إنه عالم قائم بذاته.
البالة سوق الفقراء… الناس الانجبارية… العائلات الفقيرة… ويتجمع الشيب والشباب، الرجال والنساء، ينتقون حاجاتهم، وحاجات أولادهم… تسمعهم يتحاورون: هذا البنطال لمحمود… تجيبه الزوجة، هذا صغير على محمود، يتدارك خلليه لخليل… ويسأل أحدهم صاحب الكومة: بكم هذا البالطو؟ يفاصل قليلاً، ثم يضعه في كيس الخيش… ويشترون على الهمّة الملابس والأحذية لأفراد الأسرة كافة، على قاعدة إن لم تناسب فلاناً، فإنها حتماً تلائم علّاناً…
عندما يصلون البيت، وهم يحملون أكياسهم المليئة بالبضائع، وأطفال العائلة في انتظار على أحرّ من الجمر، يفتحون الأكياس، ويلقون بما تحتويه على المصطبة، كأنهم يفتتحون بالة بيتيّة مصغرة…ويهاجم المنتظرون قصعة القماش، كل يتناول ما استطاع أن يلتقط، ويذهب به إلى تجربة القياس… يمّا هذا القميص جاي على قدّي، بس اطلعي اكمامه كبار شوي، تطوي الأم الأكمام لحد ما، وتطرح رأيها: سأقص الأكمام ليكون نصّ كم… ويأتي آخر ببنطال كبير، وتتدخّل الأم في فكرة طويه وزمّه وتصغيره، وتراهم يتبادلون ما التقطوا، للملاءمة بلوزة ببوت رياضة، وجكيت بآخر أطول منه، وهكذا… أما أحذية البالة فلها قوانين أخرى، فقد يكون الحذاء واسعاً فضفاضاً (بِرِح ومرَحْرَح) على الرِجْل، وهذا رائع، يكفي لزمن طويل، ويمكن التغلب على براحته ووسعه، بدحش الشرايط أو الورق في مقدمته… لكن الأدهى إن كانت كل فردة من لون مختلف عن الآخر، هاي بالة وكل شيء فيها قسمة ونصيب… والأكثر نكاية إن كانت الفردة الأولى يمينية والثانية يمينية أيضاً… أو يسارية وأختها كذلك… هنا الطامة الكبرى، ولا تحل المعضلة إلا بزيارة البالة مرة أخرى، وترصّد الأحذية فيها لاستبدال فردة محل أخرى، أو استبدال الزوج كله…
البالة كانت حل لصاحب العيال، ولأهل الفقر، وما أكثرهم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى