تحقيقات

كيف يؤثر غلق المجال الجوي على صناعة الطيران المدنى؟

باحثة مساعدة – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أنهت النيجر، في 4 سبتمبر الجاري (2023)، العمل بالقرار الذي سبق أن اتخذته في 6 أغسطس الفائت والخاص بإغلاق المجال الجوي، كأحد انعكاسات الانقلاب العسكري الذي وقع في 26 يوليو الماضي، وأطاح بالرئيس محمد بازوم، حيث جاء هذا القرار استجابة للتهديدات التي أطلقتها أطراف عديدة بالتدخل عسكرياً لإعادة الرئيس بازوم إلى الحكم.

ويعيد هذا القرار طرح تساؤلات عديدة حول التأثيرات الاقتصادية لإغلاق المجال الجوي أمام حركة الطيران. إذ يمارس قطاع الطيران دورًا مهمًا في إنجاح التنمية الاقتصادية للدول، إلا أنه تأثر بالعديد من الأزمات التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة الماضية، خاصة أزمة وباء كورونا Covid-19، فمنذ انتشار الفيروس كان قطاع الطيران من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرًا بتداعياته. ومع بداية تعافيه من الأزمة، جاءت الحرب الروسية الأوكرانية وأعاقته عن استعادة نشاطه، ويشكل المتحور الجديد لفيروس كورونا “EG.5″، الذي يطلق عليه أيضا اسم “إيريس”، تحديًا جديدًا لقطاع الطيران، بجانب ما يواجهه من أزمات تتعلق بما تشهده بعض المناطق من صراعات أدت إلى إقدام السلطات الحاكمة بها إلى غلق المجال الجوي، وما لذلك من آثار سلبية على القطاع.

والمجال الجوي هو مصطلح في مجال الطيران يقصد به مساحة الفضاء الجوي الخاصة بدولة ما، التي تقوم بتقديم المساعدات الملاحية اللازمة لأي طائرة تحلق في نطاق مجالها الجوي، بشرط أن يكون مصرحًا لها مسبقًا بدخول مجالها الجوي، وإلا اعتبرت طائرة معادية تتعامل معها قوات الدفاع الجوي، وعادة ما تكون حدود المجال الجوي للدولة متطابقة مع حدودها السياسية، في حين قد تمتد بعض المجالات الجوية للدول الساحلية لتغطي قسمًا من مساحة البحر أو المحيط الذي تطل عليه، طبقًا لما أوصت به المنظمة الدولية للطيران المدني “إيكاو”.[1] ويساهم الربط الجوي الإقليمي والعالمي في التطورات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدان، كما يساهم في تقليص أوقات الرحلات وخفض التكلفة التشغيلية على شركات الطيران وتوفير روابط جوية أساسية تدعم صناعة السياحة والسفر في جميع أنحاء العالم، ويمكن أيضًا أن يلعب النقل الجوي دورًا رئيسيًا في التنمية الاقتصادية ودعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

وتتخذ الدول قرارات بإغلاق المجال الجوي في الحالات التالية:

– الكوارث والأزمات الطبيعية.

– تصاعد الصراعات المسلحة مثل روسيا وأوكرانيا والنيجر حاليًا.

– في حالات وصول شخصيات مهمة مثل رؤساء الدول لمنطقة معينة وفي توقيت محدد، حيث يكون الغلق جزئيًا.

– التدريبات العسكرية وفيها يكون غلق المجال الجوي “مسبقًا”، حيث تخطر السلطات بموعد التدريبات فتقوم بإغلاق المجال الجوي، ويكون إغلاق المجال الجوي في هذه الحالة  جزئيًا بنسبة 90%، أي إغلاق منطقة معينة أو ارتفاع معين.

يوضح الشكل التالي كيف أن قطاع الطيران لم يشهد تراجعًا إلا في السنوات التي شهدت أزمات أثرت بشكل كبير على السياحة العالمية وأدت في نهاية الأمر إلى قيام بعض الدول بغلق مجالها الجوي، حيث تأثر القطاع بأحداث 11 سبتمبر عام 2001، فقد ظل المجال الجوي الأمريكي مغلقًا لمده 3 أيام، وفي عام 2003 بفعل المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)، وأثناء حرب العراق، وعام 2009 في خضم الأزمة الاقتصادية والمالية، إلا أنه سرعان ما عاد إلى الانتعاش القوي في السنوات التالية، إلى أن جاءت أزمة كوفيد-19 والتي بدت وكأنها مزيج حاد من الأزمات السابقة، حيث أظهرت إحصائيات حركة المرور الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) لعام 2020 انخفاضًا بنسبة 56.7٪ في سعة الركاب في جميع أنحاء العالم، وأثر ذلك الانخفاض بالطبع على شركات الطيران حيث حققت صافي إيرادات 126.4 مليار دولار في عام 2020، مع هامش ربح صافي قدره 33.9٪، وانخفضت إيرادات شركات الطيران أكثر عام 2021 إلى 47.7 مليار دولار محققة هامش ربح صافيًا يبلغ 10.4٪، حيث تعمقت هذه الأزمة في صناعة الطيران أكثر من أي أزمة من قبل.[2]

شكل رقم (1)

تأثير الأزمات على صناعة الطيران المدنى

 Resource, World Tourism Organization

آثار وباء كوفيد-19 على قطاع الطيران المدنى

كان قطاع الطيران من أكبر ضحايا جائحة كورونا، حيث أثرت الجائحة بشكل كبير عليه بسبب فرض قيود السفر وتراجع الطلب بين المسافرين، وقد ظهرت آثار الجائحة صناعة الطيران المدنى في عدة أبعاد منها:

1- تراجع النمو كنتيجة لنقص الإيرادات: فقد بلغ نمو قطاع الطيران المدنى في عام 2019 حوالي 4.5 مليار مسافر في شتى بقاع العالم، كما قام هذا القطاع في عام 2019 بنقل بضائع تتجاوز قيمتها 7 تريليون دولار، وارتفعت أيضًا وتيرة الطلب على الطيران ارتفاعًا كبيرًا في الأسواق الإقليمية والمحلية والدولية، مما أدى إلى إيجاد أكثر من 70 مليون فرصة عمل في مجال الطيران والصناعات ذات الصلة في كافة أنحاء العالم.[3]

أيضًا، شغل القطاع قبل الوباء 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتراجع بعده إلى مستويات لم يشهدها سابقًا، فقد انحدرت إيرادات القطاع 61% في عام 2020 بعد انخفاض إيرادات سفر الأشخاص من 612 مليار دولار خلال 2019 إلى 191 مليارًا في 2020، ومن أرباح قدرت بـ43 مليار دولار في 2019 إلى مجموع خسائر قدرها 103 مليارات في 2020، بالرغم من تدني التكلفة بنسبة 46% في 2020 نتيجة انخفاض استهلاك الطاقة والعوامل الأخرى، البشرية والمادية.[4]

2- نقص حاد فى رحلات الطيران: تُظهر بيانات تتبع الرحلات من موقع Flightradar24 حجم الاضطراب الذي نتج عن انتشار الوباء في صناعة الطيران العالمية، حيث تشير البيانات إلى أنه تم تعقب 196.756 رحلة طيران في 21 فبراير 2020، وانخفض الرقم إلى ما يقرب من 155.000 رحلة في منتصف شهر مارس 2020، ثم انخفض بشكل أكبر في نهاية شهر مارس 2020 إلى 64.522.

شكل رقم (2)

تأثير جائحة كورونا على رحلات الطيران

 Resource, Flightradar24.

3- خسائر مالية: في يناير عام 2021، أفاد اتحاد النقل الجوي الدولي بأنه قد بلغت خسارة شركات الطيران الصافية الإجمالية 84.3 مليار دولار سنويًا، وهو ما تجاوز الخسارة التي حدثت خلال الأزمة الاقتصادية العالمية خلال عامى 2008-2009، والتي بلغت 30 مليار دولار.

4- تراجع فى كفاءة طائرات الركاب: فمنذ توقف الرحلات الجوية التجارية، حلّقت بعض طائرات الركاب في الأجواء، لإعادة العالقين من دول مختلفة من العالم، بينما تحولت نظيرات لها إلى شحن البضائع، بدلًا من نقل الأشخاص. لكن الشركات المالكة والمشغلة لهذه الطائرات، تمنت بالطبع أن تعود إلى عملها الأساسي، المتمثل في إيصال الركاب جوًا بأمان، إلى مقاصدهم المختلفة في شتى بقاع الأرض، ومع بدء تعافي العالم من وباء كورونا وبدء استعادة شركات الطيران تعافيها مع عودة الطلب على السفر، واجهت هذه الشركات عقبات كبرى تتمثل في التالي:

– الطلب المتزايد أمام العرض الضئيل بسبب عدم استعادة شركات الطيران كل قدراتها قبل الأزمة الصحية.

– اتجاه كثير من الموظفين السابقين فى شركات الطيران للبحث عن وظائف أخرى أكثر استقرارًا. ولم يؤد النقص في الأيدي العاملة إلى حدوث اضطرابات في حركة الرحلات الجوية فحسب، بل أدى إلى رفع كلفة استقطاب الموارد البشرية والحفاظ عليها، وهذا يعني رفعًا للرواتب وبالتالي رفعًا لأسعار التذاكر.

– قلة المنافسة بين الشركات.

– زيادة رواتب العاملين في القطاع بسبب ارتفاع أسعار المعيشة.

– ارتفاع أسعار الخدمات، خاصة أسعار الوقود التي شهدت صعودًا صاروخيًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة “الكيروسين”.

إغلاق المجال الجوي والحرب الروسية الأوكرانية

لم يأت عام 2022 بأحداث سعيدة على قطاع الطيران، إذ تسببت الأزمة الروسية الأوكرانية والعقوبات ذات الصلة في زيادة التعقيد وتكاليف التشغيل، حيث برزت العديد من التحديات أهمها:

1- المنع المتبادل لاستخدام المجال الجوى بين روسيا والدول الغربية: فغالبًا ما كانت شركات الطيران تحلق فوق روسيا لربط آسيا بوجهات في أوروبا أو أمريكا الشمالية، لكن روسيا منعت العديد من شركات الطيران الغربية من استخدام مجالها الجوي وذلك ردًا على منع حكومات دول في أوروبا وأمريكا الشمالية شركات الطيران الروسية من استخدام مجالها الجوي، فقامت روسيا بغلق مجالها الجوي أمام شركات الطيران الغربية حيث يمتد هذا المجال على 11 منطقة زمنية ويوفر أقصر طريق من أوروبا إلى آسيا، وهذا يعني بالنسبة لتلك الشركات خسائر على صعيد الوقت والمال والتنافسية، خاصة بالنسبة للرحلات إلى آسيا.

2- الحيلولة دون استعادة شركات الطيران لنشاطها السابق على جائحة كورونا: توضح الخريطة التالية كيف أن الحرب أثرت بشكل سلبي على شركات الطيران وأعاقتها عن استعادة نشاطها بشكل كلي لما هو قبل جائحة كوفيد-19، حيث توضح مستويات الاتصال الجوي بدول العالم في الربع الثاني من عام 2023 مقارنة مع الربع الثاني من عام 2019، وتُظهر أن غالبية البلدان حول العالم وصلت إلى مستويات الاتصال الجوي السابقة للجائحة، أو تجاوزتها في الربع الثاني من العام 2023، كما تُظهر مقارنة مستويات الاتصال الجوي، التي لوحظت في الربع الثاني من العام 2019 والربع الثاني من العام 2023، مدى اقتراب صناعة الطيران العالمية من التعافي بالكامل.

إذ وصل عدد من البلدان في أمريكا الوسطى وآسيا وأفريقيا بالفعل إلى مستويات الاتصال المسجلة في الربع الثاني من العام 2019، إلا أن الانتعاش في أوروبا متفاوت، فقد بقيت دول مثل ألمانيا وفنلندا والسويد أدنى بـ80٪ من مستوى الاتصال، ويمكن ربط ذلك ببعض التحولات في أنماط السفر لمسافات قصيرة، وكذلك الاضطرابات المتعلقة بإغلاق المجال الجوي الروسي أمام شركات الطيران الأوروبية.[5]

خريطة رقم (1)

انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على قطاع الطيران المدنى

المصدر: CNN العربية.

3- اتجاه شركات إلى تغيير مسارات الطيران: اضطرت شركات الطيران عقب غلق المجال الجوي الروسي إلى أن تتخذ من أوروبا وكندا وأمريكا الشمالية منعطفات جديدة، وأدى هذا التحول إلى إطالة مسارات الطيران لشركات الخطوط الجوية، فتجنب المجال الجوي الروسي على سبيل المثال جعل طائرات شركة إير فرانس التي تقوم برحلة بين باريس وبكين تعبر جنوب القوقاز ثم فوق جمهوريات آسيا الوسطى، وتصل مسافة الرحلة بالتالي إلى 9800 كيلو متر، مقارنة بـ8400 عبر أجواء موسكو والأورال وسيبيريا، وفق بيانات موقع “فلايت رادار 24” المتخصص في تعقب حركة الطائرات، ما يعني ساعتين إضافيتين من الطيران.

جدول رقم (1)

زيادة ساعات الطيران كنتيجة لتغيير المسارات عقب الحرب الروسية الأوكرانية

Resource,  Journal of Aviation (JAV)

4- ارتفاع التكاليف البشرية والبيئية: بما أن الرحلات الأطول تستهلك مزيدًا من الوقود، فهذا يعني ارتفاع التكاليف والانبعاثات، كما أدت الرحلات الأطول أيضًا إلى قلب جداول الرحلات رأسًا على عقب، فضلًا عن انتهاك قيود ساعات العمل لطواقم الرحلات، وقامت بعض الطائرات بسبب ذلك بالتوقف قبل الوصول إلى الواجهة المطلوبة، حيث اضطرت إحدى طائرات خطوط آسيانا الجوية (Asiana Airlines) المسافرة من نيويورك إلى سيول للتوقف في طوكيو تجنبًا لانتهاك الحد الأقصى  لساعات الطيران لطاقمها.

كما كانت بعض شركات الطيران الآسيوية، مثل كوريا للطيران (Korean Air) أو الخطوط الجوية اليابانية (Japan Airlines)، قد توقفت عن التحليق فوق روسيا على الرغم من عدم منعها من القيام بذلك بصراحة، لكن دفعتها المتاعب الأخرى المرتبطة بتجنب المجال الجوي الروسي للعودة مجددًا للتحليق في هذا المجال، وخلق هذا الأمر ميزة تنافسية لشركات الطيران الآسيوية التي ما تزال تستخدم المجال الجوي الروسي في رحلاتها الطويلة مقابل الشركات المستخدمة لطرق بديلة تستغرق ساعات أطول في السفر.[6]

إغلاق المجال الجوي وإعادة توجيه رحلات الطيران فى أفريقيا

شهدت القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة عددًا من حالات إغلاق المجال الجوى فى إطار الصراعات الداخلية التى تعانى منها العديد من دول القارة، فقد تم إغلاق المجال الجوي السوداني أمام حركة الطيران بعد اندلاع صراع عسكري بين الجيش الوطنى وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، وحسب موقع  Flight Global، نصت المعلومات الصادرة عن الطيران السوداني على أن خدمات الملاحة الجوية توقفت “لأسباب أمنية”، داخل الخرطوم وأيضًا على ارتفاع 24500 قدم فوق جنوب السودان المجاور.

أثر ذلك الأمر على شركات الطيران الكبرى، ودفعها لإعادة توجيه رحلاتها الجوية لدول أخرى بديلة، فالخطوط الجوية التركية قامت بإعادة توجيه 15 رحلة جوية إلى 11 دولة أفريقية، وقامت الخطوط الجوية القطرية بإعادة توجيه 4 رحلات إلى 3 دول أفريقية غير السودان و4 رحلات أخرى إلى 3 دول في أمريكا الجنوبية، وحولت الخطوط الجوية السعودية مسار رحلتي طيران إلى أمريكا الجنوبية.

بجانب ما سبق، أصدر المجلس العسكري في النيجر قرارًا أغلق بموجبه المجال الجوي للبلاد اعتبارًا من يوم 6 أغسطس 2023 حتى إشعار آخر، وأضاف أن الأمر جاء “لمواجهة التهديد بالتدخل الذي بدأت تتضح معالمه انطلاقًا من البلدان المجاورة”، وقد أنهى العمل بالقرار بالفعل في 4 سبتمبر الجاري.

وتقع النيجر في قلب أفريقيا وفي منتصف الطريق بين أوروبا وجنوب أفريقيا، وبالتالي فإنها تمثل إحدى الوجهات الأكثر نشاطًا، لذا فإن هذا القرار شكل توسعًا في المناطق التي لا تستطيع الرحلات التجارية بين أوروبا وجنوب أفريقيا التحليق فوقها، فقبل ذلك، كانت الطائرات الأوروبية ممنوعة من المرور بأجواء ليبيا والسودان، والآن أُضيفت إليها أيضًا النيجر قبل أن يتم وقف العمل بالقرار.

ولم يؤد القرار الأخير في النيجر إلى عزل البلاد عن العالم، بل أثقل كاهل شركات الطيران التي أجبرت على إتباع طرق بديلة، تضيف عليها في بعض الرحلات ألف كيلومتر ما يجعلها تتكبد خسائر في الوقود وتأخيرًا في مدة الرحلات، فنتيجة لذلك، قامت شركات طيران أوروبية بتعليق رحلات في أنحاء القارة الأفريقية، وقالت الخطوط الجوية الفرنسية “إير فرانس”، إنها علقت رحلات من وإلى واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو وباماكو عاصمة مالي، وقال متحدثان باسم “لوفتهانزا” و”بروكسل إيرلاينز” إن أوقات الرحلات قد تكون أطول بما بين ساعة ونصف الساعة و3 ساعات ونصف الساعة فيما يتعلق بالرحلات التي يتم تعديل مسارها.

وبالرغم من إعلان هيئة الطيران المدني في السودان يوم 15 أغسطس 2023، فتح المجال الجوي شرقي البلاد أمام حركة الطيران، والذي يقصد به المناطق الواقعة شرقي السودان، وتشمل 3 ولايات هي: البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، وما يشكله ذلك من استفادة لشركات الطيران لاستغلال المسار الجوي الشرقي كممر آمن للرحلات القادمة من القارة الأوروبية إلى جنوب القارة الأفريقية، إلا أن من المتوقع عدم اكتمال المسار الجوي في شرقي السودان وعبور نحو 100 طائرة يوميًا الأجواء السودانية، ما يعادل نصف عدد الطائرات التي كانت تعبر في الظروف العادية الأجواء السودانية[8].

أيضًا اتخذت ليبيا عدة خطوات في مجال إنهاء الحظر الجوي الأوروبي، ففي أول زيارة من نوعها لوفد من المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو) إلى ليبيا فى أبريل 2023، أوضحت مصلحة المطارات الليبية، في بيان، أن الزيارة جاءت تمهيدًا لزيارة التدقيق، المزمع إجراؤها نهاية السنة الحالية، من أجل رفع الحظر المفروض على المطارات والشركات الناقلة الليبية، بالإضافة إلى إعلان ايطاليا يوم 9 يوليو 2023 رفع حظراً دام 10 أعوام على استخدام الطيران المدني الليبي للمجال الجوي الإيطالي، على أن تستأنف الرحلات اعتباراً من سبتمبر 2023.[9] إلا أن المخاطر لا تزال عالية في جميع أنحاء ليبيا على جميع مستويات الرحلات الجوية، ويوصى بشدة بتجنب جميع المجالات الجوية والمطارات[10]، ويعزز ذلك ما شهدته طرابلس يوم 14 أغسطس 2023، من اشتباكات هي الأسوأ منذ شهور، هذا فضلاً عن اندلاع أعمال عنف من حين لآخر بين فصائل مسلحة في أجزاء أخرى من شمال غرب ليبيا، مما تسبب في تعليق الرحلات الجوية في مطار المدينة الرئيسي، وسط أنباء عن القبض على قائد كبير بأحد الفصائل المسلحة على يد فصيل منافس. وقالت وسائل إعلام محلية ومصدر في اللواء 444، إن جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب احتجز محمود حمزة قائد اللواء 444 الذي يسيطر على جزء كبير من طرابلس في مطار معيتيقة.[11] لذا قامت بعض شركات الطيران بنقل طائراتها من مطار معيتيقة الدولي في طرابلس إلى مطار مصراتة، كإجراء احترازي نتيجة لتوترات أمنية بالعاصمة.[12]       

وأخيرًا، يمكن القول إن السياحة الدولية شهدت نموًا ملحوظًا وسط الأزمات التي اندلعت في العالم خلال السنوات الماضية، وكان لها تأثير سلبي على قطاع الطيران، مما يدل على قوة هذا القطاع ومرونته، وتؤكد بيانات حركة السفر الجوي العالمي لشهر فبراير 2023 وفقًا للاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، استمرار تعافي القطاع وارتفاع معدلات السفر خلال العام الجاري، فقد ارتفع إجمالي حركة السفر الجوي في فبراير بنسبة 55.5 % مقارنة بشهر فبراير 2022، وعلى المستوى العالمي، بلغ إجمالي حركة المسافرين 84.9% مقارنة بالمستويات المسجلة قبل جائحة “كوفيد-19” في عام 2019.

ومع ذلك، فإن الحكم على تعافي قطاع الطيران بشكل كلي ما زال مؤجلاً، حيث لا يزال وباء كورونا يؤثر على بعض دول العالم ويتسبب في تقليل حركة السفر، وتلعب الإغلاقات المفروضة دورًا في الحد من الحركة والسفر بحرية إلى بعض المناطق وهي قليلة نسبياً، وعلى سبيل المثال لا تزال بعض المدن والمناطق في الصين، خاصة في مقاطعة هوبي التي كانت مركز تفشي الفيروس في بداية الأزمة، وبعض المناطق في إيطاليا، خاصة في منطقة لومبارديا التي كانت أولى مناطق العالم التي شهدت تفشيًا كبيرًا للفيروس، تعيش فى ظل مخاوف من التهديدات الصحية، ومع بدء انتشار المتحور الجديد من الفيروس “EG.5″، تزداد المخاوف من أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه منذ بدء انتشار الوباء، هذا بالإضافة إلى استمرار غلق المجال الجوي للدول التي تشهد صراعات وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على صناعة الطيران.ذ. 

* نقلآ عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى