مقال

وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ

بقلم: رشيد مصباح (فوزي)| المغرب

    هل يعقل أن يقوم شخص ما بكتابة بعض الطلاسم ثم يتمتم ببعض الكلام المبهم فيكون لذلك أثرا على أجسادنا وحياتنا ككل؟

     بالنسبة لبعض الناس، سيّما الذين لا يؤمنون سوى بالعلم والعقل، عبارة عن هذيان وخرافة من خرافات الجاهلية، القصد من ورائه استنزاف جيوب الجهلة من الضعفاء والمرضى الذين ضاقت بهم السبل ولم يجدوا بدا من الاستنجاد بهؤلاء السحرة والمشعوذين الأشرار بحثا عن الحل. وهل يعقل أن يتمتم شخص في مكان ما بكلام مبهم وغير مفهوم فيصيب به من يشاء ويغيّر من حياته، سلبا أم إيجابا “كن فيكون”؟!

    بينما يجزم آخرون سواء من خلال معلوماتهم وتجاربهم الشخصية في هذا الميدان، أومن خلال معرفتهم واحتكاكهم بالسحر والسحرة والمشعوذين، أن للسحر بالفعل قوّة تأثير. وليس مجرّد تخيّلات وتكهّنات.

     ليس هناك من دليل قاطع على أن السّحر له تأثير معنويّ على الإنسان وعقله وقلبه وتفكيره، سوى ربما اللهم الرّهج والقاذورات كدم الحيض وغيره الذي يتم أكله ويصيبه بأنواع الأمراض الخطيرة والخبيثة.

     وفي هذه الأيام، كثر الكلام عن السحر والسحرة والمشعوذين؛ ونحن في عصر”الهايتك” و”النانو” والوسائل العلمية المتطوّرة التي صارت في متناول الجميع، والجميع أصبح عالما وعارفا بخبايا الأمور، ومن المفروض أن أمورا مثل السحر والشعوذة والشطحات الغريبة والتمسّح بأصحاب الأضرحة، و كل ماله علاقة بالتمائم والعزائم والأشياء المبهمة لم يعد هناك ما يبرّرها في ظل هذا التقدم العلمي والمعرفي الرّهيب وانتشاره الواسع بين النّاس. لكنّك حين تقرأ أو تسمع عن أشخاص يعيشون في مجتمعات راقية مثل نجوم هوليوود يتعاطون السحر الأسود ويبيعون أنفسهم للشيطان من أجل الشهرة والمال، فإنّك حتما ستراجع حساباتك وتغيّر نظرتك لهذا العالم.

      فلولا أنّني قرأتُ كتابا عن “تاريخ السّحر” وطرق تعاطيه من طرف بعض الشعوب، وآخر عن حقيقة تعامل أعتى أجهزة المخابرات في العالم؛ مثل الموساد والدي آس تي والسي آي آي، وما جاء في هذين الكتابين من حقائق مكشوفة وأسماء معروفة، لما وسعني أن أصدّق بأن هناك شيء اسمه السحر وهو بالفعل موجود يتعاطاه حتى الأمم المتقدّمة. وأن كل ما نشاهده في أفلام هوليوود تقريبا هو حقيقة لا تقبل الجدل. وفي أحد هذه الأفلام رأيتُ كيف استعان جهاز الاستعلامات التابع للأمن المحلّي بأحد الاستبصاريين في كشف ملابسات الجريمة؛ وهو من دون شك شخص مسكون وإلّـا من أين جاءته هذه القدرات الخارقة حتى إنه دلّهم على مكان الجريمة ولحظة وقوعها؟!

       أمّا بالنسبة لتعاطي بعض الأفراد لمادّة السحر فله من الدلالات النفسية والاجتماعية؛ مثل الحد من الخلافات الزوجية، والبحث عن الرزق، والانتقام من الأعداء، وحل الخصومات، وعلاج بعض الأمراض النفسية والعضوية المستعصية… وفي كل الأمور تقريبا. وحتى في السياسية؛ ففي مطلع هذا القرن أجرى فريق من طلاّب إحدى الجامعات الأوروبية تحقيقا حول تعاطي بعض رجال الدولة في المغرب للسّحر والشعوذة، وحتى أنّهم ذكروا في هذا التحقيق الذي أجروه كيف تعرّض الرّئيس الرّاحل الشاذلي بن جديد للسّحر من طرف الملك الحسن الثاني الذي دسّه له خلسة في الشّاي الذي تناوله خلال لقائهما بتندوف. وذلك حتى يضعف الرئيس الجزائري ويتنازل له عن الصحراء الغربية. ورد هذا في جريدة: « Le Monde diplomatique ». وهو ما جعل الرّئيس الرّاحل يتردّد على أحد الرّقاة الجزائريين المعروفين. وكما رأينا ذلك في بعض الصور التي نشرها هذا الرّاقي بأحد المواقع. فلم يعد الأمر يقتصر على الأمم الجاهلة، أو الفقيرة المعدومة. كما أن هذا المرض الخطير، لا يعترف بحدّ من الحدود ولا بحرمة أوطان وأديان.

وفي كتاب “تاريخ السّحر” قرأته منذ أعوام، تعرّض صاحبه لأنواع السّحر وكيفية ممارستها من طرف بعض الشّعوب والأمم الأخرى، البدائية وغيرها.وقد ذهب بعض المفكّرين الإغريق إلى أن السّحر نشأ في بلاد فارس، كما أن القرآن يؤكّد لنا منشأه الأول: ببابل هاروت وماروت. وهو من الموبقات السّبع دون شك، كما ورد في الحديث الشريف.وقد وصل إلينا في بلاد المغرب العربي عن طريق اليهود، قبل الفتوحات الإسلامية. ثم عن طريق الشّيعة بعد الفتوحات في عهد الدولة العبيدية. وانتشر بين المغاربة منذ ذلك العهد؛ انتشار النّار في الهشيم.

هل للتّمائم والعزائم علاقة بعالم الجن والشياطين؟ وهل لهذه الجداول والمربّعات التي في كتب السحر علاقة بالعالم الآخر؟ لقد سمعنا عن نجوم السّينما والفن، وبعض الريّاضيّين وعن مدى شغفهم بتلك التمائم؛ “تمائم الحظ” التي يحملونها في معاصمهم، والأوشام التي على أجسادهم، وبيع بعضهم أنفسهم للشياطين بعد إمضائهم العقود المشبوهة الملفوفة بالأسرار والمخاطر.

وهل للقرين علاقة بإفشاء الأسرار؟

كنتُ فيما سبق أحمل زوجتي إلى أحد الرقاة بمدينة قريبة، لكنه حدث في أحد الأيام وأن غاب هذا الرّاقي، فعدتُ أدراجي، وقبل أن أصل إلى البيت، ترجّتني زوجتي أن نذهب إلى أحد السحرة المعروفين؛ من الذين ذاع صيتهم بمنطقتنا. فضاقت نفسي، وقلتُ لها بالحرف الواحد: تريدينني أن أذهب إلى مشعوذ؟

وأمام هذا الالحاح وهذا الاصرار قد يضعف أجدع وأشجع الرّجال. أدرتُ المقود ثلاثمائة وستين درجة متوجّها إليه؛ “رغم أنفي”. وكانت المفاجأة؛ عند وصولنا إليه، وقبل حتى أن أركن سيارتي أمام بيته، قال لي بالحرف الواحد:يا أخي أنا مشعوذ واش جابك إليّ؟

بحثتُ عن الأمر مليّا في الكتب، وكنتُ أسأل دائما عن هذا العالم الغريب، وتذكّرتُ كتابا كنتُ قد قرأته في الثمانينيّات، فأعدت قراءته من جديد بعد تحميله من أحد المواقع بالإنترنت.

والآن صارت لدي إجابة عن السؤال المحيّر:كيف وصل كلامي إلى هذا السّاحر المشعوذ؟

الجواب بسيط أبسط ممّا تتصوّرون. ممّا لاشك فيه أن لكل واحد منا فيروس اسمه: “القرين”، يحمله معه منذ الولادة. وإن هؤلاء السّحرة والمشعوذين؛ المجرمين الذين باعوا أنفسهم لأكابر الجن والشياطين، يحصلون مقابل تعاقدهم مع هؤلاء المردة والشياطين على بعض الخدمات منهم، و التي من بينها خدمات إفشاء أسرارنا عن طريق هذا القرين اللّعين. أمّا عن طريقة الإفشاء فيتم عن طريق الإيحاء،واقرأ الآية إن شئت:﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ الشعراء الآية: (221). فالقرين الذي معي هو من أفشى سرّي لهذا الساحر المشعوذ! ومن غيره عساه يطلعه على الحوار الذي دار بيني وبين زوجتي في الخلاء، بعيدا عن مقر سكناه بعشرات الأميال؟

وقد ورد في كتاب آخر قرأته لأحد الرقاة، أطال الله في عمره، أنّك إذا أردت إن تلجم قرينك عليك بالمحافظة على الصلاة والأذكار، واجتناب البدع خاصّة، والالتزام بالجماعة قدر الإمكان. فإنّه لا يضرّك شيء بعده بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى