انتقام امرأة
طارق المأمون محمد| السودان
وضع فنجان القهوة من بين أصابعه المرتجفة على منضدة وضعت أمامه و هو ينظر الي عيني كأنه يستنطقهما، ثم يخفض نظره كمن تذكر ما يخجله فجأة، و تمتم بصوت مرتجف تخنقه العبرة: كنت سيء الخلق و كانت زوجتي سيدة الخلق ….
و تطول نظرته الى الأسفل: لكن نفسي الأمارة بالسوء كانت تسوقني الى خيانتها كل خميس ..
و يزيد كأنه يشرح ، بعد أن أعاد الكأس مرة أخرى الى المنضدة دون أن يرتشف منها شيئا:… مغتنما ذهابها الى زيارة عائلتها و قضاء اليوم عندهم ، كما تعلم هذه عادتها التي لم تتخل عنها الى اليوم منذ أيام زواجنا الأولى.
وضعت قلمي وقد أحسست بخافقي يضرب و نحيت الورقة التي أكتب عليها جانبا و نظرت إليه و أنا أخلع نظارتي ،
فزاد وقد علا صوته قليلا كأنه يقاوم به خجلا في نفسه يمنعه من الكلام: أتركها حتى أطمئن الى ركوبها المواصلات و اختفائها بحيث أضمن عدم عودتها و أكون قد رتبت مع إحداهن لقضاء اليوم على فراشها..
اعتدلت في الكرسي خلف مكتبي لعله يسندني قليلا و استطرد قائلا: استمر هذا الحال طويلا الى أن حدث …
ثم لم تمهله الدمعة لحظة رد فعل يحبسه بها فسقطت و انخنق صوته فمسحها سريعا و تنحنح مستجمعا إرادة القول: ذات خميس و نفس السيناريو يتكرر خرجت و غابت الى أن أمنتُ عدم عودتها ، أتيت بإحداهن و انحدرت الى قاع الخطيئة
قلت كتائه بين الكلمات يبحث المزيد : هاه
نظر الى عيني كأنه يرى وقع كلامه عليهما ، ثم هرب منهما بأخذه فنجان القهوة لعله يدلي برشفة منه تلك العبرة التي خنقته وقال قبل أن يرتشف منه رشفة : فجأة يفتح باب الغرفة.. كانت هي بلحمها و شحمها ..
ووضع الفنجان و يده ترتجف ثم رفعه مرة أخرى : لم يكن علينا شيئا نستتر به ، و عرق الخطيئة يكسوا جلدينا العاريين ، و النفس في علو و هبوط، فقد كنا في عنفوان الخطيئة..
و زادت سرعة كلامه : دخلت مسرعة و وقعت عيني بعينها .. لا زلت أتذكر ذلك الحاجب المعقود من الدهشة وتلك التنهيدة الكبيرة التي صدرت عنها
سكت قليلا ثم أكمل : لكنها توقفت فجأة ، كمن صدمت مما رأت أو كمن تذكر شئيا فجأة بأكثر مما صدمنا حين رؤيتها..
و عادت الدمعة لهبوط و العبرة تلعب في حلقه و أنا مشدوه مما أسمع لا أعرف أأستحثه على الكلام أم أطرده من مكتبي…
قال بصوت أكثر هدوءا : صرفت وجهها عنا و اتجهت الى خزانة الملابس ، أخرجت منها شيئا بيدين يبين ارتجافهما من تحت الثياب.. فتأهبت بسرعة خوفا من ذلك الذي ستخرجه من الخزانة و هممت أن أقفز عليها لولا أن قواي لم تعني على ذلك .. و لكنها فتحت الباب و خرجت…
ضحك كمن يشمت على نفسه: و أغلقت الباب و راءها ، ثم أتانا صوت الباب الخارجي و هو يقفل
ضحك بفم باك : أغلقت الباب علينا و خرجت ..
كمن أخذ في الإفاقة من مخدر قوي قلت له: ثم ما ذا حدث؟
طلب كأس ماء بارد بلطف فضغطت على جرس استدعي به : النادل
قال: عادت كعادتها مساء اليوم و فعلت ما كانت تفعله كل يوم ، ضحكت و غسلت آنية طعامها و ملابس أطفالها و أعدت لي العشاء مع أولادها ..
قاطعنا النادل الذي أمرته بكأسين ماء بارد شديد البرودة فلبى و انصرف قلت مستحثا على الكلام : هاه
أكمل: أكلت و و أكل أبناؤها أكلت على إثرها أتجرع الطعام ولا أكاد أسيغه … أنتظر سؤالا أو غضبا أو ثورة..
أخذ رشفة من الماء الذي أحضره النادل: مر اليوم الأول و الثاني و الثالث …كل يوم يزداد ترقبي أقول اليوم هو يوم الزلزلة هو يوم السؤال يوم الغضب …
قمت من الكرسي خلف المكتب و جئت الى الكرسي الذي يواجهه أمام مكتبي و جلست ناظرا إليه أن يكمل
ازداد احتقان وجهه : و جاء الخميس ….و حان موعد ذهابها الى أهلها و نادتني كما تناديني كل يوم خميس : أنا طلعت عاوز شي؟
كنت طيلة هذا الأسبوع و أترقب سؤالها حتى أنني لم أخرج من البيت الى العمل .. كنت أهرب منها و لكني لا ألبث أن أعود اليها أقف أمامها لتضربني… لتقول لي شيئا… لتثور في وجهي …
قالت أنا طلعت عاوز شي..؟ كنت قبلا أودعها و ابنها بسلام و تمنيات لأهلها بموفور الصحة وأطلب منها أن تبلغهم السلام .. و لكني أقعدني الخجل من نفسي و ازردائها أن أفعل كما كنت أفعل كل خميس ..
ثم انفجر باكيا: ماذا أفعل لم أستطع النظر الى عينيها منذ ذلك الحين مازلت أنتظر عتابها غضبها ثورتها لكن ذلك لم يحدث أنا أتعذب قالها وهو يبكي: بالله عليك ماذا أفعل؟؟
أشفقت عليه و خنقتني عبرة فقلت له : كم مضى على ذلك اليوم
إزداد نحيبه و قال : عشرون عاما