مدارس الظل.. على أرض مصرية
سمية عبدالمنعم | القاهرة
في البداية.. لم يكن المشهد غريبًا.. أعداد كبيرة من الطلبة السودانيين في مراحل عمرية متباينة يرتدون زيًّا مدرسيًّا موحدًا يسيرون جنبا إلى جنب أولادنا في طريقهم للمدارس كل صباح.. لكن وبمرور فترة لا ترقى لشهور، تحول المشهد ليصبح كالتالي: عمارات وفيلل في أرقى المناطق بالقاهرة والجيزة تحولت فجأة لمدارس ومراكز تعليمية للجالية السودانية.. هكذا وبأعداد مثيرة للتساؤل، بل كثير من التساؤلات..
ترى لأي جهة تتبع تلك المدارس، وكيف تم استصدار ترخيص بفتحها بتلك السرعة، وأي مناهج يتم تدريسها، وهل تشرف عليها وزارة التربية والتعليم المصرية أو حتى تتابع ما يقدم بها من مناهج أم لا؟ والأهم ما هو مصدر تمويلها؟
تساؤلاتنا من موقع حذر، وليس تجنيًّا أو ظلمًا لإخوة فتحت مصر لهم ذراعيها كما فعلت مع غيرهم من الأشقاء العرب الفارين من حروب أهلية أو غيرها ببلدانهم، ودعونا نستعرض بعضا من الأحداث الماضية والتي تبرر موقفنا الحذر.. في عام ٢٠١٩ ظهرت إعلانات وصور لمدرسة سورية ب٦ أكتوبر، يرتدي طلابها أشرطة حمراء مثيرة للريبة، كتلك التي يضعها المجاهدون، وبعد انتشار الأمر تبين أن المبنى مملوك لمصري أجره لسوري وحوله الأخير لمدرسة خاصة تستقبل الطلبة السوريين فقط، وتبين أن وزارة التربية والتعليم لا تعلم عن الأمر شيئا، وتم تتبع الحدث حتى أغلقت وفر صاحبها.
وفي عام ٢٠١٦، تلقت وزارة التعليم عدة شكاوى تفيد قيام إحدى المدارس الأمريكية بمصر بتدريس منهج زائف، عن حرب أكتوبر، يؤكد أن مصر قد هزمت من إسرائيل وأن الأخيرة قد تركت لها سيناء إيثارا للسلم، وحينها تبرأت الوزارة من تبعية تلك المدرسة لها، مؤكدة أنها تتبع السفارة الأمريكية وليس لوزارة التعليم المصرية أي سلطة أو حتى مراقبة لما يتم تدريسه بها من مناهج.
مما سبق يتأكد لدينا ضرورة استصدار قانون يحتم خضوع مدارس الجاليات حتى تلك التي تتبع سفارة بلادها وخارجيتها لإشراف مباشر لوزارة التربية والتعليم المصرية، وهو ما نراه منطقيًا، لمباشرة مناهج مجهولة تدرس على أرض مصرية ولمواطنين من المفترض إدماجهم في المجتمع المصري، وليس تغريبهم أكثر، مع المحافظة على هويتهم الأصلية التي لا يمكن إنكارها.
فإن كان هناك قرار يرجع لعام 2013 يفيد بمعاملة الطلاب اللاجئين معاملة الطالب المصري في المدارس المصرية الحكومية، واستجابت وزارة التربية والتعليم لإدماج الطلاب اللاجئين وملتمسي اللجوء من أصحاب الجنسيات (السورية- السودانية –الجنوب سودانية- اليمنية) بالمدارس الحكومية المصرية للعام الدراسي 2020-2021 دون تجديد الإقامة أو بطاقات اللجوء الزرقاء أو بطاقات ملتمسي اللجوء الصفراء، وذلك لمساعدة أبناء اللاجئين على الحصول على حقهم في التعليم، إذن فما الحاجة لإنشاء مدارس ومراكز سودانية أو سورية أو غيرهما، لا تخضع لمتابعة وزارة التربية والتعليم المصرية؟
وإن كانت هناك ضرورة ملحة لتلك المدارس، لأسباب تثبيت الهوية والعادات والتقاليد أو تجنبا لتنمر محتمل لاختلاف اللهجة أو لون البشرة، فما الضير أن تخضع تلك المدارس خضوعا كاملا لإشراف وزارة التربية والتعليم المصرية، وأن توضع مناهجها تحت أعين متخصصينا، لا أن نخضع نحن لتبعيتها الكاملة لسفارتها، ونعاملها معاملة مبانى السفارات، تأكيدا لحصانتها، ذلك أن ترك الأمر هكذا، دون علمنا بما يتم تقديمه بين جدران مبان على أرضنا، إنما ينذر بأزمات وربما كوارث مستقبلية، أقلها ضررا ما يتعلق بصعوبة الدمج المجتمعي للاجئين، واستمرار شعور التغريب والاختلاف، وهو ما يمكن أن ينتج أمورا يحزنني مجرد التفكير بها.
نقلآ عن: الوفد