مقال

الذكاء الاصطناعي يتجاوز الحدود والأزمنة

علي جبار عطية| رئيس تحرير جريدة أوروك – العراق
يجمع مقطع فيديو منتشر في منصات التواصل الاجتماعي بين الشعراء الجواهري، وبدر شاكر السياب، ومظفر النواب، ونازك الملائكة، ولميعة عباس عمارة، وهم يجلسون ويتصفحون كتباً، ويتحركون بكامل أناقتهم وقوتهم وعافيتهم، ويبتسمون!.. وكل ذلك الجمال في سبعٍ وثلاثين ثانية!.. وقبل أن يستفيق المشاهد من الدهشة يظهر تعليق أنَّ هذا من صنع تقنية الذكاء الاصطناعي !
في مقطع آخر تظهر مدينة بغداد في العصر العباسي، مدينةً للأحلام والترف،وألف ليلة وليلة، ومُكمَّلة الأعراس، يغسل وجهها القمر.. كما في قصيدة عاصي الرحباني!.. ينقلنا المقطع إلى زقورات بلاد ما بين النهرين، والعناصر المعمارية البابلية، والعباسية، وشوارع بغداد.. كان هذا المقطع الافتراضي من تصميم المصممة والمهندسة المعمارية العراقية سمر الصافي التي تعلق على تفاعل الناس مع صورة بغداد الماضي، وهي تتفاءل بالمستقبل، وبالواقع البديل، فتقول لموقع (CNN بالعربية): (إنَّ ذلك شهادة على قدرة الفن والخيال على إثارة المشاعر، وتجاوز الحدود، والتفاعل مع الأشخاص من خلفيات متنوعة). وتضيف:(تُظهر هذه الصور بغداد كمدينة ديناميكية ومتطلعة إلى الأمام تمزج تاريخها الغني بالحياة الحضرية المعاصرة).
لا تتوقف الدهشة ولا الانبهار بهذا العالم الافتراضي الذي يتخيل الحيوانات التي تمشي على أربع، وهي تمشي على رجلين، وما تشكله تلك المشاهد من صدمةٍ عنيفةٍ بالغة التأثير في النفوس، ويكون وقعها أشد وأدهى لو تحققت في الواقع!.. مقابل ذلك المد الرقمي والتقني تصبح الوسائل التقليدية للصحافة بحاجةٍ ماسةٍ إلى ثورةٍ هائلةٍ لمواكبة هذه التطورات المذهلة وإلا صار استخدامها كاستخدام الفحم في الطاقة !
لقد كانت الباحثة الأمريكية جلوريانا دافنبورت إحدى مؤسسي (معمل الإعلام) في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، تبشر سنة ١٩٨٨بعصر جديد تتطور فيه ما تسميه بـ (الصحافة السينمائية) أي أن تستفيد الصحافة التلفزيونية من تقنيات التطور التقني لتقترب من جماليات السينما في العرض، كما طالبت ببناء قصصي جديد للصحافة التلفزيونية بلغة سينمائية غنية، وأن يتم استخدام الذكاء الصناعي وأنظمة معالجات اللغة في الحواسيب للمساعدة في هذا الأمر.
هذا الكلام كان قبل نحو أربعة عقود قبل أن تصل الثورة الرقمية إلى مديات واسعة بالصورة وطريقة العرض وسرعة التسجيل والأرشفة لكن ذلك لم ينعكس على آليات السرد في القصص الإخبارية والتقارير.
يجري ديفيد دنكلي جيما الأستاذ بجامعة كارديف البريطانية تجارب من أجل تقديم رواية سينمائية للأخبار بدل الشكل الحالي المنتشر، ويرى أنَّ تأثير النمط الحالي من تقديم القصص الإخبارية والنشرات تأثير فيزيائي مغرق في الواقعية، أما في السينما فإنَّ التأثير نفسي في المقام الأول.
كما يرى أنَّ جماليات السينما وأشكالها خطت منذ الخمسينيات وحتى الآن خطوات واسعة ومتنوعة من حيث أشكال اللقطات وأنماط الأفلام، بينما بقي التقرير الإخباري والنشرة الإخبارية على حالهما منذ أكثر من سبعة عقود.
إذن نحنُ مقبلون بقوةٍ على عصرٍ إعلامي بسرعة الضوء بينما ما زالت الصحافة بنوعيها الورقي والإلكتروني تجاهد من أجل التكيف والبقاء،فضلاً عن أنَّه صار كل شيء تراه معرَّضاً للمساءلة والتشكيك فلم يعد المثل القائل (ليس الخبر كالعيان) نافعاً ولم يعد الحق ما تراه العين بل لا بدَّ من التحقق في جميع الأحوال بالوسائل الممكنة فقد زحف الزيف إلى أقصى مداه !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى