ما تهون إلا على الفقير !

د. أحمد الطباخ
كان الخلفاء الذين تولوا مقاليد الحكم مثقفين وكرماء يغدقون العلماء والشعراء بالأموال والعطايا ولم ينقص ذلك بيت المال الذي كان يمتليء بالأموال وقد انفق الخلفاء الأموال بالعدل وجعلوا عليها الأمناء الذين اتقوا الله فيها فلم ينهبوها ولا سرقوها وإنما حافظوا عليها لذلك كثر الخير وبارك الله فيها لأنها جمعت من حلال وانفقت على أوجه البر والخير دون شطط ومما يدلل على ذلك ذلك فعله الخليفة فقد ﺍﺳﺘﺪﻋﻰ مجموعة من الشعراء ﻓﺼﺎﺩﻓﻬﻢ ﺷﺎﻋﺮ ﻓﻘﻴﺮ ﺑﻴﺪﻩ ﺟﺮّﺓ ﻓﺎﺭﻏﺔ ﺫﺍﻫﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﻴﻤﻸﻫﺎ ﻣﺎﺀ ﻓﺘﺒﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﺒﺎﻟﻎ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺇﻛﺮﺍﻣﻬﻢ ﻭﺍﻹﻧﻌﺎﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ .
ﻭﻟّﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺍﻟﺠﺮّﺓ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﻭﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺛﻴﺎﺑﻪ ﺍﻟﺮّﺛﺔ
ﻗﺎﻝ: ﻣﻦ ﺃﻧﺖ؟ ﻭﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻚ؟
ﻓﺄﻧﺸﺪ ﺍﻟﺮﺟﻞ:

ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖُ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺷﺪﻭﺍ ﺭﺣﺎﻟﻬﻢ

ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺮِﻙ ﺍﻟﻄَّﺎﻣﻲ ﺃﺗﻴﺖُ بجرتي.
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ: ﺍﻣﻸﻭﺍ ﻟﻪ ﺍﻟﺠّﺮﺓ ﺫﻫﺒﺎً ﻭﻓﻀّﺔ، ﻓﺤﺴﺪﻩ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ. ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻫﺬﺍ ﻓﻘﻴﺮ ﻣﺠﻨﻮﻥ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻗﻴﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺎﻝ، ﻭﺭﺑّﻤﺎ ﺃﺗﻠﻔﻪ ﻭﺿﻴّﻌﻪ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ: ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻪ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﺀ، ﻓﻤُﻠﺌﺖ ﻟﻪ ﺟﺮّﺗﻪ ﺫﻫﺒﺎً ﻭﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻓﻔﺮّﻕ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺑﻠﻎ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺎﻩ ﻭﺳﺄﻟﻪ ﻋن ﺫﻟﻚ.
فقال الفقير:

ﻳﺠﻮﺩ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺨﻴّﺮﻭﻥ ﺑﻤﺎﻟﻬﻢ

ﻭﻧﺤﻦ ﺑﻤﺎﻝ ﺍﻟﺨﻴّﺮﻳﻦ ﻧﺠﻮﺩ.
ﻓﺄﻋﺠﺐ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﺠﻮﺍﺑﻪ ﻭﺃﻣﺮ ﺃﻥ ﺗُﻤﻸ ﺟﺮّﺗُﻪ ﻋﺸﺮ ﻣﺮّﺍﺕ
ﻭﻗﺎﻝ: ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﺑﻌﺸﺮ ﺃﻣﺜﺎﻟﻬﺎ …..
ﻓﺄﻧﺸﺪ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ:

ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ

ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ أﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕ
ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞ
ﺗﻘﺿﻰ ﻋﻟﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕ
ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦّ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺃﺣـﺪ
ﻣـﺎﺩﻣﺖ ﺗـﻘﺪﺭ ﻭﺍأﻳـﺎﻡ ﺗـﺎﺭﺍﺕ
ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ
ﺇﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟـﺎﺕ
ﻓﻤﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣــﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬمـ
ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮمـ ﻭهمــ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕ
في عصور النهضة والحضارة يلتحم الإبداع مع الواقع ليجسد ذلكم الواقع لأنه ديوان العرب الذين يسجلون فيه مفاخرهم وأيامهم ووقائعهم وهذا ما فعله الشعراء في تلك الحقبة التاريخية التي كان للشعر فيها دولة عظيمة نتيجة لما كان عليه الخلفاء من ثقافة وعلم ومعرفة بقواعد اللغة وجمالها وإلمامهم بنحوها وصرفها وبلاغتها وهذا الموقف يجسد ذلك الواقع