أدب

وقائع موت سيدي الحزين …

قصة قصيرة

شريف العجوز | القاهرة 

يشاهده

 أهل القرية كل يوم في هذا المكان جالسًا – القرفصاء لا يتكلم البتة 

 تقسيمات وجهه المنكمش المرصع بالبقع البنية ، يفضح عمره على جبهته – على الترعة .

 لم يشاهده أحد يأكل ، أو يشرب ، أو ينام 

باءت محاولات الجميع بالفشل في الحديث معه 

 وتعددت الأساطير حوله الأطفال يشيرون إليه ويضحكون وهم في طريقهم إلى المدرسة ، والرجال يتسامرون بسيرته في ترنحهم بعد صلاة العشاء في دروب القرية ،والنساء يتهامسن، يتغامزن، يمصمصن شفاههن عجبًا من أمره . 

تقول الأساطير أنه فقد ابنه الوحيد غرقًا في تلك الترعة ، أو أنه قد ضبط زوجته في أحضان آخر فذبحها وألقى بها في الترعة …. أو ….. أو 

لا يذكر أحد منذ متى تقريبًا وهو يجلس في مكانه، حاولت الشرطة مرارا اعتراضه ، وحاولت مشفى الأمراض النفسية القبض عليه ، لكن دائما رجولة أولاد البلد تقف لهم بالمرصاد، يشاهدون دمعاته تترقرق، ثم تهطل كالوابل .

كثيرا ما كان يذهب إليه الناس ، يجلسون بجواره مقابلين للترعة ، مفضفضين له بمشاكلهم دون أن يبادلهم الرد ، فقط تظهر علامات انفعاله على تقسيمات وجهه الحزين دائما 

أطلقوا عليه سيدي الحزين فلا أحد يعلم اسمه ” أصله وفصله ” فقط قال شيخ كبير في مجلس من مجالس القرية أنه شاهده ذات ليلة وهو قادم على الطريق الزراعي ثم حط في ذاك المكان ولم يبرحه بعد ذلك 

أيام، شهور ،سنوات، تقدم فيها القرابين لسيدي الحزين لعلها تدر عليه بدلا منها سعادة ويصبح سيدي السعيد، ازدادت الفضفضة لسيدي الحزين وامتلأت أساريره بضوصاء العاشقين، المحتاجين، المتفائلين المتاجرين باسمه لكسب ود أهل القرية أصبحت حكايته مفتتح كل الجلسات العائلية والرسمية ونهايتها ، الدعوة له بظاهر الغيب بأن يفك كربه ويفرج همَّه ، والرجاء بأن تحل بركاته 

التناجي لسيدي الحزين سيطر على القرية خوفا من أن يضبط المتناجي لديه فينكشف سره لديه .

مات سيدي الحزين !! 

مات سيدي الحزين لكن مقاما له أقيمت أركانه مكان جلسته، مازالت القرابين تقدم طلبا لبركته ، أصبحت سيرته خاتمة الجلسات العائلية ، انفض الناس عن المقام ، وأصبح الحلف به عوضا عن هجرانه 

الخوف من مقامه أن يفشي ما سمعه من أسرار بالرغم من موته أصبح شبحًا يطارد أهل القرية 

فتاوى الأمر الواقع جعلت سيرته محل ضجر، المقام رمزٌ للقرية فقط ، العائلة تتداول السيرة بين الحوائط سراَ ، والمقام رمز القرية أصبح رمزاً لأثارة الفتنة .

بأمر من عمدة القرية وبحضور المشايخ والأعيان وبمشهد أهل القرية ، هدم المقام ومع دبة كل فأس تنال من طوبه النيء يبتلع أحد الناظرين ريقه خوفا من أن يفضحه قالب ما ، وحفظا لماء الوجه أقاموا مكانه جدارا بطول الترعة بحجة حماية أهلها من الغرق ، لكن عقلاء جعلوا سيدي الحزين أسطورة يروونها لأبنائهم ويوصون بحفظها بأن كان يوما هاهنا حزينا أصبح سيدًا له مقام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى