قراءة في رواية “الحب بمن حضر” للأديب المصري وحيد الطويلة
حين يكون الحب، إيذاناً بزوال العالم وتأسيسا لبداية الخلق مجددا
ريم القمري| شاعرة من تونس
لأكون صريحة جدا معكم ،سأقول لكم أن الكتابة عن هذه الرواية تحديدا، كان أمراً صعباً جدا، وقد حاولت مرات عديدة أن أنظم افكاري، وأرتب ما أريد أن أقوله عنها وفشلت، وقررت التوقف عن الكتابة أكثر من مرة، وفشلت أيضا.. رواية الحب بمن حضر، للكاتب المصري وحيد الطويلة، والصادرة عن منشورات بتانة، رواية في غاية التعقيد، بالمعني الإيجابي والجمالي للكلمة، وهي أيضا رواية مربكة، مزعجة، وممتعة، إنها بإختصار رواية كل المتناقضات الممكنة، وغير الممكنة، نص روائي مشوق الى أبعد حد.
ما سيحصل لك أيها القارئ، ومنذ الصفحات الأولى لهذه الرواية، أمر غريب وعجيب، مثل أجواء الرواية نفسها الغرائبية والعجائبية والسحرية أيضا.قلت: إذن إن ما سيحصل لك منذ الصفحات الأولى، هو أنك ستقع في حب هذه الرواية، نعم هذا ما سيحصل لك تماما. ثق بي، سيصبح بينك وبين الرواية، قصة حب وعشق، وقد يتحول إلى تعلق شديد، وربما إلى حكاية غرام.
لاتستغرب كلامي أرجوك، فعندما تقرأ سردا محكما مثل السرد الذي يكتبه وحيد الطويلة، فإنه لن يكون بإمكانك ألاتصاب بغرام هذه الرواية، بكل أجوائها وحكاياتها وشخوصها المتداخلة.. صدقني لن تنجح أبدا في الإفلات منها، ستحاوطك من كل الجوانب وستلسعك نار الحب، وتحرقك، ذلك الإحتراق اللذيذ، الذي ما أن تجربه حتى تدمنه.
منذ البداية يضعنا وحيد الطويلة، في أجواء من القص الذي يعيد الى أذهاننا، حكايات ألف ليلة وليلة. حيث يتحرك الكاتب، في تلك الأجواء التي تقترب إلى حد كبير من الواقعية السحرية، يستهل بعض الفصول مثلا بعبارة كان يا مكان، يقحم راوي ،يسرد علينا الأحداث، نقلا عن مصدر، ويبقي الراوي ومصدره، مجهولون. مما يزيد من الغموض و التشويق.
وتبرز في هذه الرواية جليا، قدرات الكاتب أقصد هنا قدراته الفنية، وتمكنه من التحكم في خيوط السرد وبراعته في ربط الأحداث والأشخاص فيما بينهم، حتى أنك لا تحس أبدا بأي قطيعة، بين الفصول، رغم إنتقال الكاتب من شخص إلى آخر، دون تمهيد مسبق، و لكنك لن تحس بذلك، فقد ربط هذا السارد العليم ،بخيط ناظم بين هذه الشخوص جميعها. وقد برع في نسج فضاء سردي، اختار له قرية ما، في زمان ما، وفي مكان ما،في موقع جغرافي ما، لم يحدده ولم يعرفه، بل تركه فضاء سرديا مفتوحا في الزمان و المكان، إنه يجعلك تحس، أن الأحداث تحصل في زمن سردي قديم، وفي ذات الوقت هو زمن سردي عصري ، والعجيب أنك لا تشعر أبدا بأي تضارب أو خلل في الزمن السردي.
عزيزي القارئ ما يمكنني أن أؤكده لك، أنك لن تشعر مطلقا بالملل داخل هذه الرواية،فالأحداث شديدة التشويق، ذلك التشويق الذي يحفز كل حواسك، ويجعلك في حالة انتظار دائمة، تريد أن تعرف نهاية الأحداث.
وقد برع وحيد الطويلة، في استعمال تقنية التشويق فبنى لنا عالما مشوقا، شديد الترابط و التشابك، يجعل القارئ يلهث داخل دائرة الأحداث، ويعمل عقله ويفكر طويلا، لعله يستطيع أن يحل لغز الحكاية.
وكما يدل عنوان الرواية، الحب بمن حضر، فإن كل المناخ السردي داخلها، مبني على فكرة الحب، الحب بما هو قدر، الحب بما هو ذلك النداء الخفي (النداهة)، الذي يجذب القلوب والأرواح، الحب بما هو تجربة روحية خالصة، الحب أيضا بما هو شهوة، رغبة و غريزة ،الحب بكل تعقيداته، وأيضا ببساطته وبعمقه، واحيانا بسطحيته، الحب ذلك العالم المتشعب المتشابك ، الحب القادر وحده أن يصهر القلوب، كما يصهر بطلة الرواية “موعود” الطين ويمزجه، ويضيف عليه المازوت، ثم يرميه في قلب النار، في قلب الحريق. هذه الرواية هي أيضاً عالية الرمزية، وربما لعب الكاتب هنا على رمزية الطين من ناحية، بما هو المكون الأساسي الذي خلق منه الإنسان، وبين النار، النار بما هي المكون الأساسي الذي خلق منه الجان، والشياطين.
فنحن هنا في قلب عملية الخلق، الخلق الذي كلما امتزج بالحب أنتج أرواحا سامية، وإذا ما امتزج بالنار أنتج أرواحا شريرة..هذه الحرب غير المعلنة ، بين الطين والنار، هذا الامتزاج الضروري بين الطين والنار، هو ما خلق أسطورة الحب وربما أيضا اسطورة الإنسان. لايمكنك أن تقرأ هذه الرواية، وتبقى سليما ستلسعك النار أنت أيضا، نار الحب، ونار الفتنة. الوجه الآخر للحب، حين يتحول كراهية و رغبة في الانتقام، ونارا تحرق الأخضر واليابس.
وقد أبدع وحيد الطويلة، في رسم مشهد الحريق، حتى صارت النار، كائنا أوشخصا من شخوص الرواية، تلتهم الأجساد وتلاحقها وتقبض عليها و تصهرها، كما يصهر موعد الطوب في نار القميئة.. هذه روابة حارقة، احذر أن تحرق أصابعك و قلبك، وصدق كل أحداثها، فالأسطورة هي في النهاية شكل من أشكال الحقيقة.