رصاصة الماكاروف عدالة ومساواة ورؤية علي العايل الكثيري
بقلم: هيثم نافل والي
ليس هناك من شك بل يقين خالص بأن الكثيري إنسان وفنان؛ هكذا وجدته، من خلال سيرة حياته التي دونها بدقة عازف كمان، لا يقبل النشاز في الإنشودة التي يطلقها إطلاقاً؛ كونه صادقاً، رحيماً، طيباً ومبدعا. عندما يكتب لا يشعر بأنه خشوع وأبتهال، قلمه يتحرك بحرية كتلك التي يؤمن بها حد القاع والنخاع وبأنه لا يدون إلا واقعاً كان قد عاشه بمره، قسوته، ومعاناته بغض النظر إن كان ذلك(من وجهة نظرنا يستاهل أم لا) فهو بالتالي من يقرر مصير حياته وكيف ستكون، فكان مثلما تمنى أن يكون، عادلاً لا يقبل المساومة، أو المحاباة من أجل شيء يؤمن به كالرب.
كيف لا وهو يدون سيرة بدأها بمرض خطير(فقدان إحدى عينيه) التي يبصر بها العالم الذي حوله، لكنه كان بصيراً، عليماً ومتفردا للذكاء الذي وهبه الله له فعوضه عن فقدانه ذاك بما هو أوسع وأعمق فأستغل تلك الصفة المتفردة(كما قلنا) للوصول إلى حالة من السهل علينا وصفها بأنها قريبة من حالة الملائكة الأرضية التي نسمع بها ولم نرها!
ما أن تبدأ بقراءة أول جملة من كتابه الموسوم(رصاصة الماكاروف) وللأسم حكاية لا تقل من أن تكون لذيذة ومشوقة، كونها تعبر عن بساطة وصدق صاحبها(حاملها) بعفوية كادت تكون أقرب إلى السهو منها إلى السذاجة! إليست هذه الصفات التي نرميها ونقذف بها الفنان أينما كان؟ بلا والله.. ما أن نرى تصرفات المبدع الحاد الموهوب وهو يتعامل معنا أو مع الأشياء التي تحيط بنا حتى نستغربه وننعته بالسذاجة وأحيانا نقذعه بالجنون وكأننا لم نقترف جرم بحقه كونه فنان من عجينة لا نفهما ولسنا متعودون عليها لأننا ببساطة عامة الناس وليس مثل الكثيري وأمثاله، مبدعون قل عددهم في عالم المال والمصالح!
سيرة خطت بتشويق نادر وذاكرة فولاذية! ألم أقل بأن للعايل صفات عوضته عن نظره بفقدانه؟! ومن يقرأ تلك السيرة سيجدها كما وصفتها للتو، تشويق نادر، وذاكرة فولاذية وإلا كيف نفسر ما يحصل لنا ونحن نطلع على كتابه ذاك رغم مشاغلنا وقلة وقتنا في غربة أوربية لا ترحم، فنترك ما كنا ملتهون به ونكمل ما بدأناه بالقراءة والتواصل مع سيرة ذلك الرجل الرحيم الحديدي رغم ضعف بنيته والأمراض التي لاحقته كظله، الإنساني الطيب والمتفاني من أجل
إيمانه بقضية الوطن الذي عشقه حد الفداء بالروح؟
نعود إلى الذاكرة القوية التي يتحلى بها مبدعنا وعنوان ومعنى دراستنا الإنطباعية المتواضعة هذه كونها لا تمثل الكثيري بكل ما تجسم به من أعمال وأقول وحضور لافت سواء على الساحة المحلية أو العربية كما لا يخفى. نعم، كانت ذاكرته حاضرة وكأنها لم تبتعد بها السنون عشرات ويصف لكم بالدقائق وأجزاء الثواني ما كان يحصل معه بالضبط كدقة الساعة السويسرية التي باتت(كون العالم قد تغير) تصنع في الصين!
بعد أن انتهيت من قراءة الكتاب بثلاثة أيام وجدته يستحق العناء، المتابعة والنشر. كتاب كتب بطريقة مدهشة تقطع الأنفاس! أنصح كل مثقف الإطلاع عليه كونه يمثل الإنسان الأصيل الحقيقي وهو يدافع بصرامة إنسانية عن كل عدالة ومساواة التي يطلبهما بأن تكون حاضرتين في كل زمان ومكان على أرض السلطنة أولاً والعالم أجمع ثانياً. أرجو له التوفيق والنجاح والصحة والسلامة