رمضان النهضوي لا تعرفه أمتنا؟!
د. أحمد الطباخ
لفت نظري إشارة صديق من أصداقئنا على نعت رمضان بأنه نهضاوي وهو وصف في محله ووصف دقيق وبليغ على روعة هذا الشهر وجماله وقيمته وأنه شهر عظيم يستحق منا أن نقف أمامه متأملين في دقائقه وأنواره ونظامه وعطائه وإنجازاته على مستوى الأفراد والأمة فكم من انجازات تحققت بفضل الدفع الرمضاني الذي دفع من أخذ بالأسباب فحقق الغايات ووصل للأمنيات وكم من فتوحات تمت في هذا الشهر العظيم وكم من مشاريع عملاقة تم إتمامها وأصحابها صائمون فلم يعوقهم الصيام ولا وقف حائلا دون تحقيق ما كانوا ينتوون ويريدون وخاض السابقون غمار البحار وقطعوا المسافات الطوال في الصحاري والفيافي وهم في رمضان لما فيه من الخيرات والبركات
لقد أنجز العلماء السابقون مؤلفاتهم العلمية في هذا الشهر دون شكوى من مشقة أو لوعة ولا تحججوا بحججنا الواهية وعزائمنا الخائرة وإنما سهروا ليلهم في القيام والتهجد والطاعة والعبادة ومدارسة العلوم ونهارهم في الجهاد والتخندق في خنادق الحق فكم من مشاريع علمية عملاقة بين أيدينا اليوم وضعها أصحابها دون أن يتقاضوا عليها إلا دراهم معدودات في شهر القرآن ولم يقتصر الامر على الغلم وإنما في مجال التشييد والبناء بعد فتح المدائن التي خاضوا في سبيل فتحها الأشهر جهادا وقتالا في سبيل الله مما حتم بعدها مرحلة البناء والتشييد للمدن التي أنشأها الأولون في شتى بقاع العالم شرقه وغربه في نهضة علمية عملاقة فكان رمضان هو الباعث الذي دفعهم إلى ذلكم الانجاز الذي ما يزال شاهدا على نهضة الأمة.
نهضت الأمة من خلال هذه التعاليم الإسلامية التي دفعتها إلى النهوض والأخذ بكل أسباب البناء والتشييد انطلاقا من ذلك التغيير الذي يحدثه رمضان في تلك النفوس السوية التي أشربت بفيوضات ونفحات ذلك الشهر الفضيل الذي نهض الله بالخلق فيه فجعله شهر نزول الكتب السماوية التي أنزلها الله على أنبيائه من لدن سيدنا آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين صاحب الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل العزيز الحكيم الذي أنزله في شهر رمضان لينهض بالبشرية إلى طريق الحق.
عندما فقدت الأمة إحساسها الإيماني بما في هذا الشهر العظيم من فيض وفضل ضاعت منها المعالم وتاهت في تيه مدنية زائفة ضحك بها غرب حاقد على أمة كانت قد حققت نهضة عظيمة دون حاجة لغرب أو شرق ولكن انشغلت الأمة بملهيات ومغريات وماديات سعار حضاري مادي وضع بينها وبين دوافع النهضة الحدود والسداد لتظل الأمة بعيدة كل البعد عن الأخذ برمضان النهضوي الذي يجعل الصائمين مقبلين على مأدبة القرآن الكريم ومتخلقين بأحسن الاخلاق التي يضبطها الصيام حيث لا رفث ولا فسوق وإنما عمل وعلم وتأمل وتفكر في إصلاح نفوس دأبت طوال العام على عادات وتقاليد لا تصنع مجتمعا فاضلا ولا تدفع إلى ذرا المجد
وكما قال مصطفى صادق الرافعي : فهذا الصَّومُ فقرٌ إجبارِيٌّ تَفرِضُه الشريعةُ على الناسِ فَرضًا ليَتساوى الجميعُ في بواطنِهم، سَواءٌ منهم مَن ملكَ المليونَ من الدنانير، ومَن ملكَ القرشَ الواحد، ومَن لم يملك شيئًا؛ كما يتساوَى الناسُ جميعًا في ذَهابِ كِبريائهِم الإنسانيّةِ بالصلاةِ التي يَفرِضُها الإسلامُ على كُلِّ مُسلِم؛ وفي ذَهابِ تفاوتِهم الاجتماعيِّ بالحَجِّ الذي يَفرِضُه على مَن استطاع.
فقرٌ إجبارِيٌّ يُرادُ به إشعارُ النفسِ الإنسانيّةِ بطريقةٍ عمليّةٍ واضحةٍ كُلَّ الوضوح، أنَّ الحياةَ الصحيحةَ وراء الحياةِ لا فيها، وأنَّها إنّما تكونُ على أتَمِّها حين يتساوى الناسُ في الشعورِ لا حين يختلِفون، وحين يتعاطفونَ بإحساسِ الألمِ الواحدِ لا حين يتنازَعونَ بإحساسِ الأهواءِ المُتعدِّدَة.
فرمضان النهضة والعزة والجهاد والفتح والبناء والعمل والتقدم والترفع عن صغائر الأمور والتعلق بمعالي الأشياء بعدت عنه أمتنا رمضان الإحساس بالفقير والتألم بمآسي الآخرين ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة رمضان كبح جماح نفوس ارتكست وانغمست في الملذات حتى تعودت طوال العالم على تلبية الرغبات.