أدب

تعالقُ الذَّاكِري والسّرْدِي السِّيرِي فِي كِتَاب “جُرْحُ الذَّاكِرَة” للمُبْدِعَة مالكة حبرشيد

قراءة للشاعرة سعيدة رغيوي

         إنَّ الذَّاكِرَة تَنْهضُ بِعَمَلِيَّةِ الْاسْتِرْجَاعِ ((الفلاش باك))، فَتُصْبِحُ مَصْدَراً لِلْكِتابَةِ، وَلِتَعْرِيةِ أحْدَاثٍ مَاضَوِيةٍ عَاشَتْهَا الذّاتُ الْمُبْدِعَةُ أَوْ عَايَشَتْهَا ..فَتَنْتَقِلُ مِن أمَاكِن الظّلِ والصّمْتِ إلَى أَماكِن مُشْتَرَكة؛ إذْ تُصْبحُ مَكْشُوفَةً لِلْعَلَنِ ..وَتًتَخَلَّصُ لَحْظتئِذٍ الذَّاتُ السّارِدَةُ مِنْ ثِقْلِ وَعِبْءِ حَمْلِ الْوَجعِ “الْجُرْحِ” الْفَرْدِي بِتَشَارُكِهِ مع جَمَاعَةِ القُّرَّاءِ الَّذِينَ نَاوَشُوا الْمَكَتُوبَ وَحَاوَرُوهُ وَسَاءَلُوهُ بِفِطْنَةِ الْقَارِئِ الْمُشَاكِسِ الْمُحَاوِلِ التَّسَلُّلِ إلَى الْمقْرُوءِ لِتَفتيتِ مَظَانِّهِ وَتَسْيِيجِ أفْكارهِ وَرَتْقِ فَرَاغَاتهِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا..
فِي كِتَابِ” ذَاكِرَةُ الْجُرْحِ “*للكاتبة”مالكة حبرشيد**..تنهضُ الذَّاكِرةُ كَمُتَّكإ لِلْحَكْيِ وَالْبَوْحِ بِتَقْدِيمٍ يَحْفِرُ فِي الْبَوْحِ / السِّيرِي لِلْكَاتبَةِ؛ إذْ اسْتَطَاعَ الْكَاتِبُ”محمد شخمان” أَنْ يُضِيءَ هَذَا الْعَمَلَ الإبْدَاعِيَّ الَّذي
جَعَلَتْ لَهُ مُؤَلِّفَتَهُ ” مالكة حبرشيد” عنوان “جُرْحُ الذَّاكِرةِ”، وَأَنْ يُمْسِكَ بِتَلابِيبهِ مُعْتَبِراً أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ / الإِبْدَاعَ يُمْكِنُ تَصْنِيفُهُ ضِمْنَ أَدَبِ السِّيرَةِ الذَّاتِيةِ؛ وَإِنْ تضَمَّنَ أَوْرَاقاً سِيرِية غَيْرِية، مُثِيراً انْتِبَاهَ الْقَارِئ / الْمُتَلَقِّي الْمُفْتَرَضِ أَنَّ شَرْخً الذَّاكِرَة تَحْضُرُ فِيهِ بَصْمَةُ الشّاعِرَة الْْمُسْتضِيئةِ بأنْوَارِ الْحُرُوفِ لِتُعَرِّي أزْمِنةً / أحْدَاثاً مِن مَاضِي مَدِينةٍ وَذَاكِرَةٍ جَمَاعِيةٍ لِمَدِينَتِهَا “اخنيفرة”.
لقد استطاعت الْمُبْدِعة أنْ تَسْتَعِيدَ مِنْ خِلاَلِ تِقْنِيَّةِ الْاسْتِرْجاعِ وَالتَّذَكُّرِ والنَّبْشِ فِي الذَّاكرةِ أحْداثاً أَلِيمةً وَسَمتْهَا بالْجُرْحِ ؛ والْجُرْحُ هَا هُنَا، وَإنْ جَاءَ بِصِيغَةِ الْمُفرَدِ إلاَّ أنَّهُ جُرْحٌ جَمَاعيٌّ ..فأتَى صَوْتُ الْكَاتِبَةِ / الشّاعِرَةِ لِيَقُومَ بِدَوْرِ الصَّوْتِ الْجَمْعِي لِيفْضَحَ ذاكِرَةَ مَدِينَة.
بَدَاءةً الْعُنْوانُ الَّذِي انْكَتَبَ بلونٍ أحْمَر يَحْمِلُ فِي دَلالته وَرَمْزيتهِ ألَماً، فالْجُرْحُ في الْغالِبِ مَا يَكُونُ غَائِراً وَنَازِفاً..وَقَدْ وُفِّقَت الْمُبْدِعَة فِي اخْتِيَارِهَا لِهَذَا اللَّوْن الَّذِي يُثِيرُ الْقَارِئ وَيَرْمُزُ إلى الدّمَوِيةِ والْألمِ.الذَّاكرةُ كَمُفْرَدَةٍ ثَانِيةٍ فِي الْعُنوَانِ أَتَتْ لِتَخْصِيصِ الْجُرْحِ وَإِزَالة اللُّبْسِ عَنْهُ، حَتَّى لايَقَعَ الْقَارِئ فِي الْارْتِبَاكِ وَالْحَيْرةِ، إذْ إلَى جَانِبِ الْعُنوان تُؤثِّثُ الْغِلاف صورة لطفلة يبدو عليها القلقُ، فملامحُهَا تَعْكِسُ بِجَلاءٍ شُرُودَهَا وَمَا تُوجَدُ عَلَيْهِ مِنْ توَجُّسٍ؛ فَذَاكِرَتها تسْترجِعُ وقائع تؤرقها.
إنَّ العتبات النَّصية (العنوان واللّوحة)؛ يُسْعِفَانِ الْمُتَلَقِّي فِي الْقَبْضِ عَلَى بَعْضِ خُيُوطِ الْمَكْتُوبِ.
إنَّ الذَّاكرةَ هُنَا تٌعْلِنُ عن حَالةِ اسْتِنْفَارٍ وَتَذَكُّرٍ، وَتَجِدُ فِي مَرْحَلَةِ الصِّبَا صُوَرَهَا الْجَرِيحَة..فَبِالكِتَابَةِ وَالْبَوْحِ تَتِمُّ تَعْرِية الْجُرْح الْفرْدِي الْجَمَاعِي ..يَحْضُرُ ضمِيرُ الْمتكلم مُعْلِناً عَن صَوْتِ الْكَاتِبَة/ الطِّفلة الْمُتمرِّدَة عَلَى أعْرَافِ الْقَبِيلَةِ الْمُنتشِيةِ بِعَالَمِ الْكُتُبِ وَأسْفَارِهَا الْمُتَعَدِّدَةِ اللاَّمُنْتَهِيةِ، الطِّفْلَة الْحَالِمَة، الثَّائِرَة عَلَى الْإطَارَاتِ الَّتِي تَرْسُمُهَا الأُسْرة وَالْمُؤَسَّسة.
تَنْفَلِتُ الْكاتِبَةُ مِنْ قَبْضةِ الْأسْرِ الَّذِي يَخْنِقُ الْأُنثَى الطَّامِحَةِ إِلَى تَرْتيبِ عَالمٍ خَاصٍّ بِهَا.
تَقُولُ فِي الصَّفْحَة ١٢:”..شَيْءٌ مَا بِدَاخِلِي كَانَ يَشُدُّنِي إِلَى “نَجِيب محفوظ” و”العقَّاد” و”المنفلوطي”، شَيءٌ مَا كَانَ يَشُدُّنِي إلَى هَاوِيَتِهِم الْألِيفَة ..إلَى ذُنُوبِهِمْ الْمُؤْمِنَةِ إلَى إِيمَانِهِمْ الْمُتَمَرِّدِ عَلَى الْأشْكَالِ وَالْألْوَانِ والْإطاراتِ وَالْمَلَامِحِ الْمُحنَّطةِ.”.
هَادِرَةٌ هِيَ أَوْرَاقُ وَ نُصُوص الْكَاتِبَة بِأصْدَاء الذَّاكِرة الضَّنْكَى الْمُثْقلَةِ برُعُودِ زَمَنٍ طُفٌوليٍّ مُلْتَبِسٍ بيْنَ الْوَاقِعِ / الْجُرْحِ والْمَأمُولِ / الْحُلُمِ..

     مَلْغُومَة طَرِيقُ السَّاردَةِ بِأَشْجَانٍ وَصُورٍ جَعَلَتْ ذَاكِرتها تَئِنُّ ..صُوَر الْوَسَطِ الْأسَرِي الْمَلْغُومِ، وَالْبَاعَة الْمُتَجَوِّلُونَ وَالتَّطْوِيقِ الْأمْنِيِّ/ التَّخْوِيفِ الَّذِي كَانَ يَطُولهم لِيستَثِبَّ الْأمْن؛ وَكَأَنَّ بِذَاكِرَةِ الطّفْلَةِ عَدَسَةُ كَامِيرَا تلْتَقِطُ صُوراً مُجْتَمَعِيةً بَاتَتْ تُجْهِضُ أحْلامَها الًّتِي شَيَّدَتْهَا الْكُتُبُ وَالرِّوَايَات وَالْأغَانِي الَّتِي يَبُثُّهَا صَوْتُ الْمِذْيَاعِ أوْ صَوْت الْعَالَمِ الْوَحِيدِ وَقْتًئِذٍ، أو صَوْت”عمِّي مُوحى” الْحَكَوَاتِي؛ وَهَذَا مَا يُسْتَشَفُّ    مِن ص ١٦.

تقول: “يَرْوِي عمِّي مُوحَى حِكايَاتِ بُطُولاتِهِ، قَائِلاً:”شَارَكْنَا نحْنُ الْجُنودَ الْمَغَارِبَة، فِي جَبَهَاتٍ مُخْتَلفةٍ إِلَى جَانِبِ الْحُلفَاء، كُنَّا نُقاتلُ كَتِفا إلَى كتف مع الْجنود الْفرنسيينَ، ضِدَّ إيطاليا وألمانيا، ونجحنا في تَحْريرِ عِدَّة مناطق فَرَنسِية…الخ.
بِصَوْتٍ حَزِينٍ تَسْتَرْجِعُ الْكاتبة قِصَّةَ الْجُنُود الْمَغاربة الَّذينَ شَاركُوا إلى جَانِبِ فرنسا ضِدَّ إيطاليا وألمانيا، وَالَّذِينَ لمْ يٌنْصَفُوا وَطَالَتْ بَعْضَهُمْ يدُ الْجلاَّدِ في مدينة ” اخنيفرة” التي لا يُسْمعُ صَوتها..
ألمُ وجُرح أبنائها ..ص ٢٠، بَيْدَ أنَّ ذاكِرة السَّارِدَة الطِّفلة ستُنْصِفُ هؤلاءِ عَنْ طريقِ استرجاع سيرتهم والْحفرِ فِي ذَاكرةِ الطُّفولة، التي الْتقطت الْعَدِيد من الصُّور الْمَرِيرةِ لسنوات الرَّصَاصِ؛ ما طال ” محمد أومدا” في السَّبْعينيات من الْقرْنِ الْمُنْصَرِمِ، وَالْعدِيدِ من الْانْتِهَاكَاتِ الْأُخْرَى فِي الْعَدِيدِ مِن الْمَناطِقِ التَّابعَةِ للتُّرابِ الْخنِيفري ص ٢٠.
وباسْتِحْضَارها لِهَاتِهِ الصُّور تُوَثقُ لِمَرحلةٍ تأْريخيةٍ سَوْداء فِي ذاكرة مَدينة “اخنيفرة” برجالها ونِسَائِها ..إنَّهُ الْوَجَعُ الْجَمَاعِي لمدينةٍ وَ مَكانٍ يَكْتبُهٌ حِبْرُ ومِدَادُ ” مالكة حبرشيد”.
تَتَعَدَّدُ صُور الْجٌرْح الَّذِي تتذكَّرُهُ ذاكرة الْكَاتبة لِتُعِيدَ كتابتهُ نٌصُوصاً سِيرية، وَكَأنَّ بِهَا تَصْرُخُ /تصْهلُ لِتَرْتُقَ الْجُرْح الدَّامِي الَّذِي لَمْ يُبَارِحْهَا قطُّ..
يمْتِزِجُ الضَّحِكُ بالْبُكَاء..فتكتمل خيُوط الدّراما الْواقعية التي أصْبحَتْ محكيا على لسانِ ” عمِّي مُوحى”. سَينْضُجُ وعيُ الكاتبة/ الطِّفلة مع الْوَقت لتًكْتشفَ الْمرارة التي كانت خلف الابتسامة والضَّحك لِعمِّي موحى؛ ص ٢٢.
اسْترْجَاعَاتٌ مَالِحَةٌ لِذَاكِرَةٍ موْشُومةٍ بالْجُرْحِ..
وَكَأنَّ بِالْكاتبَة تُعْلِنُ الانْتِصَارَ مِنْ خِلالِ الْكِتَابةِ عَلَى الصَّمتِ، وَالْخَوْفِ، والنِّسْيَانِ..فأعْطَابُ الْمَاضِي تصْرُخُ فِيهَا لتُتَرْجِمَها نُصُوصاً. لِلْقارئِ أَنْ يفْتَحِصَها بَعْذَئِذٍ، ويقرأها بِتَرَوٍّ..فالْحَاضِرُ لَنْ يَمْحُوَ الصُّوَر الَّتِي تَنَاسَلَتْ عبر تقنية السَّردِ الاسْترجاعيِّ ، التي اشتغلت عليه الْكاتبة ” مالكة حبرشيد” بِأُسْلُوبِهَا الَّذِي تَدَفَّقَ عَبْرَ مَحْكِي وَاقِعِي أجَّجَتْهُ صَرْخَاتُ الذَّات وَأصْوَاتها.
زمنُ الماضِي ( الْمسْكوت عَنْهُ)، وَالْحَاضِر الَّذي انْكتبَ وانْكشفَ وباتَ رَحِيقاً يُشْفِي الْجُرْحَ عَنْ طَريقِ إعْلانهِ لِلْقَارئِ وَمُشَاركتهِ مع ذَاتٍ كَاتبةٍ جَدِيدةٍ تَتفَاعلُ مَعَ النُّصُوصِ.
تتلبَّسُ الذَّاتُ الْكاتبة أسئلة عن مَفْهُومِ الْوطَنِ، والْوَطَنِية، وَجَدْوَى التَّضْحِية مِن أجْلِ الْوَطَنِ..وَهِيَ تَقِفُ عَلَى حَجْمِ الْخسَاراتِ مِنْ خِلالِ إِيمَانِها الرَّاسخِ بِأَنَّ الْمَبَادئ كلٌّ لا يَتَجَزًّأُ ص ١٢٠..كَمَا تُعرِّي مِنْ خِلالِ هَذِهِ النُّصُوص النَّظْرة الْمُجتمعية / الذُّكورية للمرأة..مُعْلِنَةً عن إيقاعِ مَيِّتٍ، وَعَزْفٍ مُسْتَحِيلٍ ص ١١٩.

استنتاج: إنَّ الْكاتِبَةَ الْمُبْدِعَة “مالكة حبرشيد”، تَرْسُمُ صُوَراً عَنْ حَقيقةِ الْوَاقعِ الَّذي باتَ يضِجُّ بالْمٌتنَاقِضَاتِ؛ ص ١٢٨ (واقعُ التَّفاهَةِ والانْحِلالِ والْفَسَادِ الأخْلاقِي). تَعْبُرُ “مالكة حبرشيد” مِسَاحَة الْوَجَعِ الْجَمَاعِي صَارِخةً:”فادْخُلُوا الطّابُورَ يَا أبْنَاءَ وجَعِي يَا أحْفاد الْقهْرِ الْمٌخَضْرمِ..هَذَا أَوَانُ إِعَادَةِ التَّربِية…، فِي تَوْصِيفٍ مِنْهَا لِفدَاحَةِ الْخَسَائر وَالْخَرَابِ الْمُسْتَشْرِي، ص ١٢٨ دائماً، حَامِلَةً هُمُومَ الْوطَنِ الْجَرِيحِ بأُسْلُوبٍ شَاعِريٍّ، يُلْهِمُهَا الصُّمودَ فِي أفْضِيةٍ نَحَتَتْهَا رُعُودُ الْمَوْتِ الْمُقنَّعِ وَالْخَيْبَاتِ وَالتَّرَهُّلِ ..تَقُولُ في ص ١٢٨:

تختبئُ أنتَ؟
نختبِئُ نحنُ؟
والتَّرهُّل علَى
صَدْر الْمدينة؟

الزَّمَنُ فصيلةٌ تَجْتَرُّ الْهُرَاءَ
ونحنُ قبيلة يقربُهَا
الْفَقْرُ ويَضِجُّ من
خُنُو عِها الْفَضَاء!

هِيَ حِكايَةُ جُرح وذاكرة مُغْتَرِبةٍ عَن عَالمٍ مُخْنَوْنَقٍ بالاسْتِعَارَاتِ الزَّائِفَةِ.. هِيَ السَّاردَةُ الْمُحْتَرِقَةُ بِلغْمِ الْْحَكْيِ النَّاثِرَةِ بَوْحَهَا/ صَوْتَهَا فِي دَائِرَةِ الْحُرية وَشسَاعةِ الشَّمْسِ؛ تخنقها الرِّيح الْمُتَطَلِّعَةُ للتَّوهُّجِ والْإشْرَاقةِ، الَّتِي بَاتَتْ مَنْفِيةً وَمُنْتَفِيةً فِي ردهات الظَّلامِ.
اسْتَقَتْ الْكَاتِبَةُ الأَصْوَاتَ الَّتِي تَتَقاطَعُ فِي الرِّوايَة/ السِّيرة الذَّاتِية/ الْغَيْرِية مِن مَرَاجِعَ مَبْثُوثَةٍ فِي ص ١٣٦.

إنَّ “مالكة حبرشيد”، بِهَذَا الْعَمَل تكُونُ قَدْ قارَعَتِ الصَّمْتَ وعَرَّت الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مِنْ خِلالِ الْفوْضَى الْخلاَّقةِ بِدَاخِلِهَا، بِتَوَسُّلِ لُغَةٍ تَطْغَى عَلَيْها الْمَجَازات والاسْتِعَارات والشِّعرية ..فقد حَوَّلَتْ جذب الذَّاكرة، وجُرْحها لِنُصُوصٍ إبداعية، كَاشِفَةً صَوْتها الْمُفْردَ، وَصَوْت الْجَمْعَ/ مَدِينتها ” اخنيفرة” ؛ صوتُ الْغائبِ الْحَاضِرِ فيها، الصَّارِخِ الْمُحْتضِنِ للُغةِ الشَّمْسِ بِحَرْفِها الْوَلِهِ، بِمِسَاحاتِ الْكِتابة الثَّائِرةِ.

      هُوَ صَوت مالكة الْمُرتفِعِ ضدَّ الظُّلم/ الْحَكرَة؛ وَهَذَا مَا يَتَبَدَّى من الصَّفحة ٥٢ و ٥٣…” تقول:”ما كان يُثيرُ انْتِباهِي وَأَسْئِلَتِي، لِمَ كانت الدَّوريات تعْتَقلُ فُقَراء الْمَدينة فقط إن وجدتهم في حالةِ سُكْرٍ أَوْ عِرَاكٍ أو مُجرَّد جلسة غِنائية يُحَاوِلُونَ بِهَا بلْسَمة دواخلهم الْمَجْرُوحَة، وأمَانيهم المَشْروخةِ؟..لنكشفَ عَنْ وجهٍ آخر للتَّواطُؤِ ضِدَّ فئةِ الْمُهَمَّشِينَ؛ ص ٥٣”.

إنَّ الْكَاتِبَةَ مِنْ خِلالِ هَذا الْعَمَل الْإبْدَاعِي، تُحَاوِلُ أَنْ تُخَلِّصَ الذَّات من إسَارٍ كَبَّلَها، لِتَنْطَلِقَ شَاهِقَةً خَفٍيفَةً، إلاَّ مِن حُرُوفِهَا وَكَلِمَاتِهَا، الَّتِي تُدَبِّجُهَا بِكُلِّ كَلَفٍٍ وَحُبٍّ لِتُوَاصِلَ رِحْلةَ الْحَيَاةِ وَالْحُلم رغم الْعَنَاوِين السَّوْدَاء في مَاضِيهَا.

الهوامش :

*- جرح الذاكرة؛ مالكة حبرشيد، ط ١، دار بصمة للنشر والتوزيع.
**- مالكة حبرشيد، كاتبة وشاعرة مغربية من مواليد مدينة خنيفرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى