من أحاديث المخيم.. أكياس الورق 

محمد حسين| فلسطين المحتلة

أخطبوط الفقر  يضغط على مفاصل الجسد ، يحاول  أن  يحفر  ندوبا  بها ، لم  يعرف  بعد  أنه يواجه  ينابيع  باردة  تسقي  الحياة  شراب  العنفوان  ، تنسج من أغصان  الشجر عرائش الأمل  كظلال  لأرواح متعبة ، هي  رحلة  طويلة  في قطار  لم  نقطع  تذاكر العبور  به  لكنه خطفنا  من حضن  دافئ ذات نهار  .قذفنا  في صحارى  لم  نعرف  عناوينها  ولا تضاريسها  ولا لون  وجهها  من  قبل  .لكننا  جعلنا  في كل  محطة أنزلنا  بها  حديقة  ورود  . لعبنا  مع  المستحيل  لعبة الطلقة الأخيرة، أجدنا  ضغط الزناد  جيدا، أجدنا  تدوير  طاحونة  المسدس  حتى  لا يصيب  صدغنا.

  • أم عائشه سعاد أبوحميد التي فقدت  زوجها  في فلسطين  تستقر  في أحد البيوت القديمة  من المخيم  مع ابنتها الوحيده، تعمل  في كل الأعمال  لمواجهة الفقر المفترس وتنتصر عليه  ، كانت  تجمع  هى  وابنتها أكياس  الأسمنت من ورش  البناء  وتسهر   الليالي  من أجل تصنيعها  حتى  كبرت  عائشه  وأصبحت  معلمه ، لم تفكر  باليأس  من  بطش  الواقع  الذي  يأكل  العظام ويفتت الصخر .. 

كأن الرياح   لم  تتعظ  من تكسر  يديها فوق  اسوار  بيوت  الطين،  فقررت  أن  تزور  بيت  أم  هاني  المتواضع .

أم هاني  المتعبة حتى الثمالة من الفقر،  تفكر  مليا  تشحن الهمم صباح مساء ، وجهها بدلته  لفحات الشمس الحارقة  ، جسدها  المثخن  بالأوجاع  يسرق  النوم  سرقة ، لم  تشتكِ يوما  من هذا  الألم  أمام أولادها  التسعة، هى  عمود  البيت  بعد  فقدان  زوجها .

تستيقظ أم هاني  صباحا  تحضر  الفطور  لأولادها تفرك  يديها  وأرجلها  بالزيت  عسى  ولعل أن  تخف آلامها  قليلا ، في موسم  الحصاد  تذهب  إلى الحصيدة ليلا  وتأتي مع طلوع  الفجر ، بعد  فترة من  الزمن  بدا  الإرهاق واضحا عليها  لم تستطع  الاستمرار  بالعمل خارج المنزل . فقررت  أن  تصنع  أكياس  الورق  ، طرحت الفكرة  على أولادها . الأولاد  وافقوا  بحرارة  يريدون أن  يخففوا عن  أمهم  أوجاع العمل المضني  ، قالت  لهم  هيا يا  أولادي  اذهبوا  إلى أمكنة  بناء  البيوت  واحضروا  أكياس الإسمنت  الورقية  وأنا  سأغلي الخبز  اليابس  على النار  .عاد  الأولاد  بأكياس الإسمنت  الورقية،

أم هاني  : سأوزع  عليكم  مهامكم  ،

. سامر  عليك  أن  تقص  أكياس  الإسمنت  .

  • سمر عليك أن  تقصي  الكرتونة إلى  قطع  صغيرة  حتى  نضعها في  أسفل  الكيس  .
  • محمود عليك أن تضع  الخبز  على  الورق  .
  • هدى عليك أن  تطلقي  لنا المواويل  القديمة  وتحضري  الشاي  .
  • هاني عليك أن  تذهب إلى  السوق  وتبيع  الأكياس  عند  محال  الخضار  .

وافق  الجميع  فرحين  وبدأ  العمل  بكل نشاط  كخلية  النحل، بعد فترة من الزمن  توسع  العمل  وبدؤوا يشترون  الأكياس  الإسمنتية من رؤساء  ورش  البناء  ، أستمر العمل  لعدة  سنوات  حتى  أصبح  الأولاد  قادرين  على  الاعتماد  على أنفسهم بكل نواحي الحياة،  منهم  من حصل على  شهادة ومنهم  من تعلم  مهنة  ، وقفت  أم هاني  ذات  مساء  أمام  أولادها  وقالت  أنتم  قهرتم  قسوة  الحياة  لا خوف  عليكم بعد اليوم  ، لن نسمح  لطلقة المستحيل  أن تصيب  رؤوسنا .من غبار أكياس الإسمنت تصنع  حياة ……..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى