
سالم بن محمد بن أحمد العبري
إن المواقف الوطنية التي يكشف عنها الشيخ ماهر حمود في خطب الجمعة بالجمهورية اللبنانية تضيء المنابر، وتستنور العقول، وتأخذ بالقلوب، وتعبّر عن مواقف وطنية فذّة، ومن ثَمَّ فإن فيها رسالة حيّة وواقعية إلى كل من يعتلي المنابر للخطابة مفادها: عليكَ أن تتذكر دائمًا أنك تقوم مقام الرسول محمد(صلى الله عليه وسلم)، وأن الدين الحق ليس بكثرة المحاريب ولا بعدد المنابر التى تتلوا خُطَبا مكررة تنمحي من ذاكرة المصلين بعد مجاوزتهم عتبة المسجد خارجين إلى دروب الحياة.
إن توجها مقاومًا يقوده الشيخ ماهر حمود في لبنان مكتوب له العلو والثبات لأنه رجل رباني؛ لا يجوب عالم الأموال ليقبض وينعم ويهادن ويخادع إنه مع الله يسير في نهج المجاهدين الصابرين القابضين على جمرة الوطن وإن مسَّهم الأذى، لا تغرنّهم القصور الفارهة، والسيارات الفخمة مثل الغزالي وجاد الحق والشعراويّ وعبد القادر الجزائريّ، وهم على شاكلة قواد حملوا مشاعل الوطن في رقابهم مثل الزعيم جمال عبدالناصر، وشكرى القواتلي، وهواري بومدين عليهم جميعا رحمة الله.
وفي هذا السياق أتذكّر أنّ الشيخ ماهر حمود الذي دُعي لزيارة دمشق ولقاء الرىئيس بشار الأسد فلم يبتهج لدخول قصر العروبة أوقوصر الأمويين، وربما قال: (لا حاجة لي إلى اللقاء)؛ فالعمل المقاوم والوطنية المشتركة تسير بهم كلٌّ كما يبدو له الطريق الصحيح الذى يحقق رضا الله، ومقادير الحياة، و بقي حرا تقيا نقيا لا يُحسب على تيار حاكم أو مذهب سائد، هو بفرديته هذه لا تعيقه قيود ولا تمنعه حدود. فإذا ما قارنا موقف ماهر حمود بموقف العلامة القرضاوي الذي قابل بشار الأسد في عام ٢٠٠٨ إبان العدوان الإسرائيلي على غزة وأثنى على الرئيس بشار ثناءً حسنا ، وماهي إلا شهور وانضم إلى قوى الجولاني وحجاب وعرعور ونقض غزله ووصل به الأمر إلى إباحة دم بشار والبوطي و الدكتور أحمد حسونة.
وما تقدم من تمهيد كان على أثر خطبة الجمعة الماضية للشيخ ماهر حمود شيخ علماء المقاومة في مدينة (صيدا) اللبنانية، الذي شبَّهَ فيه مَنْ يُسَّهِل ويُروِّج ويدعو لإدخال أعضاء (حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع) في انتخابات البلديات والمختاريات التى أجريت موخرًا في الجمهورية اللبنانية بـ(عمرو بن لحي الخزاعيّ) أول من جلب الأصنام إلى الكعبة المشرفة وأسس لعبادتها في مكة المكرمة المحرمة.
ويأتي هذا التشبيه للإيحاء بالرفض القاطع لسمير جعجع قاتل رشيد كرامي والذي نال جزاءه بالسجن تنفيذا لحكم قضائي عادل؛ وما تشبيه (سمير جعجع) بـ(عمرو بن لحي) إلا دلالة على فظاعة فعله وما اقترفته يداه الملطختان بدماء رئيس الوزراء البارز الوطني رشيد كرام ، وتعبيرًا عن رفض القوى الوطنية اللبنانية بسائر أطيافها لسمير جعجع، على الرغم من توقيع مجلس النواب اللبناني على قرار العفو عن المنبوذ جعجع في أوج الفورة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وعلى إثر ذلك استغلت القوى التآمرية داخل لبنان والتى ركبت مطية دم رفيق الحريري المناخ السياسيّ المضطرب لتشد الرحال باتجاه إسرائيل والغرب وتحاول اجتثاث جذور المقاومة من أرض لبنان وسحب سلاحها وعلى رأسها حزب الله، وها هم اليوم ينسجون خيوط المؤامرة بعد أن أثخنت المقاومة في جراحها، واهتزت أركانها بخلو الساحة من القائد الشهيد حسن نصرالله.
لقد قدر لهذه القوى التآمرية أن تصعد على أكتاف إدارة سياسية جديدة من لون واحد وما كان لهم أن يثقلوا كفتهم وكفتها لولا أن المقاومة أُجبرت بسبب الجرح العميق الذي أحدثه خنجر الخيانة في خاصرتها. ولكن هيهات لن تدوم نشوة الانتصار المزيف على المقاومة طويلا، كما لم تدم معها أجواء ورياح مقتل رفيق الحريري، وإن كانت نظرة العرب التحليلية للأحداث مازالت ضيقة الأفق وتكرر نفس التصورات والرؤى المستقبيلة التي لا تستند إلى أدلة واقعية.
وعليه فإن الموقف الصُلب الذى عبر عنه الشيخ ماهر حمود الرافض لوجود سمير جعجع وقواته اللبنانية في مدينة (صيدا) كان صادمًا لتلك القوى التآميرية ومن يشعر بشعورهم ويسير في ركابهم يؤكد أن فترة نشوة الانتصار المزيف على المقاومة لن تطول؛ وإن حزب الله وجميعأطياف المقاومة في المنطقة سوف تجمع قوى شتاتها وتشحذ هممها، ولن تموت فورثة معروف سعد وأمثال الشيخ ماهر حمود لن يهونوا ولن يسيروا في قاطرة يقودها سمير جعجع إلى جحيم الخيانة والعمالة و(إن غدا لناظره قريب).