حوار

الرَّوائي المصري أحمد طايل والناقد صبري يوسف وجهًا لوجه

حوار حول السلام العالمي

جريدة عالم الثقافة| خاص

ما هي برأيِكَ أهمُّ أسبابِ تراجعِ السَّلامِ العالمي بينَ البشرِ؟
من وجهة نظري المتواضعة أرجع السبب وربما يكون هذا صوابا أو خطأ، أنه فى خلال السبعين عاما الماضية تصاعدت ظاهرة البحث عن مبررات من خلال بعض الدول التى أخذت لقب الكبري للتدخل فى شؤون الدول، مؤكد من أجل ثروات هذه الدول من أجل توفير حياة معينة من وجهة نظرهم لشعوبهم، وبالتالى هذه المبررات والتدخلات أدت بشكل أو بآخر إلى تقلص وتراجع السلام العالمي، كيف يكون هناك سلام وهناك حروب مشتعلة هنا وهناك وكلا الفريقين له أنصاره، الحروب هى السبب الرئيسي فى سحب البساط من تحت أقدام السلام العالمي وهيمنة سحب التدخلات والاملاءات وفرض القرار على الآخرين، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، مؤكد وبلا مبالغات لن نجد للسلام العالمى أى وجود حتى ولو مسمى وربما يصبح من بين ذكريات الماضي التليد!!
لماذا ابتعدَ الإنسانُ عَنِ السَّلامِ والوئامِ بينَ بني جنسِهِ، سائراً نحوَ حقولِ الألغامِ الَّتي تنسفُ حيثيَّاتِ السَّلامِ مِن جذورِهِ؟
الإنسان هو إبن مجتمعه وعالمه وأى متغير عالمي وحياتي يؤثر سلبا وإبحابا عليه، الإنسان أصبح يعيش فعليا داخل حقول الألغام ولم يعد يستطيع الفكاك من فخاخها، الحروب من كل جانب تحيط به، ومن جراء الحروب يتمُّ ارتفاع الأسعار ويقلُّالمدخول ويقودنا إلى عدم القدرة على توفير الحياة كما كان يحلم، ومن هنا كانت أنانيته، الكل يبحث عن نفسه وابتعد تماما عن روح الجماعة والتفكير فى وطنه ومجتمعة قبل أن يفكر بمحيطه المجتمعي، الكل أصبح مدمنا للاستيلاء على حقوق ليست له، وبالتالي أصبح الكل بلا استثناء فى سباق من الأنانية وتغليب مصلحة الفرد دون المجموع، السلام يستلزم أن ينصهر الجميع ببوتقة الوطن وقضاياه، والسبيل لهذا أن يتصالح الفرد مع ذاته لكي يتصالح مع مجتمعه.
ما هي أسبابُ انكفاءِ الحسِّ الأخلاقيِّ والمعاييرِ الرَّاقيةِ عِندَ الكثيرِ مِنَ البشرِ في الوقتِ الرَّاهنِ؟
الأخلاقيات أصيبت بما يسمى عوامل التعرية، رياح المتغيرات والظواهر العالمية والتى تخيل الكثيرين أنها سبيل لخدمة البشرية وتوفير مناخ جيد للحياة بهدوء وسلام نفسي، للأسف هذه المتغيرات أصابت الإنسان بنوع من الغربة، أدمن الكثير ذاتيته لا يعنيه الآخرين حتى لو تضرروا من سلوكياته، المتغيرات وتصاعد موجات التكنولوجيا التى يتعامل معها الجميع على أنها وسائل نشأت لتضخيم الذات، الأفراد والجماعات والسياسات والثقافات جعل الجميع بحالة عزلة تامة وبالتالى أصبح العنوان الرئيسي هو زيادة مساحات التمرد على عالم القيم والأعراف والتقاليد تحقق ذاتك!!
يركز الإنسانُ على العلاقاتِ المادّيّةِ، وغالباً ما تكونُ على حسابِ إنسانيّةِ الإنسانِ، لماذا يتراجعُ الإنسانُ نحوَ الأسوأ في علاقاتِهِ معَ بني جنسِهِ: البشرِ؟!
كما قلت سابقا أن الرياح التي لا تكف عن الهبوب على المجتمعات وتبعاتها وعدم الفهم لكنهتها، جعل الأنانية تسود كل السلوكيات، لم يعد هناك من السلوكيات القويمة والتى كانت عنوانا للود والاحترام والاعتراف بالآخر، وكان هناك حوار هادئ، كانت هناك منظومة مجتمعية صحيحة، الكل يعرف دوره ويعرف حقوقه وواحباته، أما الآن الكل يهرول من أجل الثراء المادي غير مبال بكيفية الحصول عليه وأيضا محاولات لا تنتهي للوصول إلى مناطق السلطة كي يحقق ما يريده، وهل هذا استحقاق له أم لا، شرعية أم ملوثة، صارت الأمور عنده سواء، ومن هنا فقد إنسانيته وفقد ما يمنحه لقب إنسان، الأهم لديه أن يعلو هو ولا يهم أن يذهب الجميع إلى الجحيم.
هناكَ تطوُّرٌ كبيرٌ في تقنياتِ وتكنولوجيا العصرِ، يسيرُ عصرُنا نحوَ فتوحاتٍ كبرى في عالمِ التّقانةِ والتَّحديثِ، لكنَّهُ فقدَ الكثيرَ مِنَ الحميميّاتِ، كيفَ يمكنُ إعادةُ العلاقاتِ الحميمةِ الرَّاقيةِ بينَ البشرِ؟!
كان من المفترض أن يكون هذا التطور بالتقنيات والتكنولوجيا سبيلا نحو فتح آفاق أكبر وأوسع وبمدي لا ضفاف له فى خدمة الإنسانية والمجتمعات، ولكن للأسف وألف آسف كانت هذه التقنيات والتكنولوجيا سبيلا رئيسيا إلى تحول الأفراد إلى الغربة، لأنها لم تدرس وتفهم جيدا، انبهرنا ببريقها الخارجي ولم نتمكن من تحقيق جوانبها الإيجابية.إنَّ أفراد الأسرة الواحدة غرباء عن بعض، كل له عالمه، من هنا لم تعد للحميمية الأسرية وجود إلا بالنذر اليسير، كيف نعيد الحميمية، السبيل الوحيد هو ضرورة محاولات جادة ومثابرة لإعادة الوعي للموروث الثقافي والفكري والعقائدي والتاريخي للمجتمعات، أن يوجد نوع من الحوار الدائم بين كل شرائح المجتمع وبكل شبر عليه، وأن تكون هناك عدالة موزّعة على كل أنحاء الوطن، لكل مواطن حصته من مطالبه، إن شعر الجميع أنهم متساويين ولهم نفس الحقوق ومتساويين بالواجبات، وأن القانون يطبق على الجميع أيا كان موقعه ومنصبه، المساواه ضروره لتعود الأمور إلى نصابها الصحيح والسوي.
لا يتمُّ تأسيسُ الكثيرِ مِنَ الدُّولِ الشَّرقيّةِ/ العربيّةِ وما يجاورُها على أسسٍ ديمقراطيّةٍ، غالباً ما تجنحُ
نحوَ الحروبِ والدَّمارِ، متى ستتعلَّمُ هذهِ الدُّولُ أنَّ بناءَ الدَّولةِ يقومُ على بناءِ المؤسَّساتِ الدِّيمقراطيّةِ
وتطبِّقُ هكذا مؤسَّساتٍ؟
سؤال أظن أن لا إجابة عليه إلا من خلال حكام هذه الشعوب، التى يجب عليها أن تعي تماما أن عليها أن تتذكر أن الديمقراطية تعني المساواة والعدل بين الجميع وأن تعي تماما أن عليها أن تبتعد تماما عن أي شئ يثير القلاقل أو يجرها إلى حروب ونزاعات تعود بالسلب والخراب على شعوبها، عليها أن تضع ميثاقا منطقيا موضوعيا وحياديا ومتوافقا مع كل شرائح مجتمعاتها مدعما بقيم وأعراف وتقاليد وتاريخ هذه البلدان، عليها أن تضع شعوبها فى بؤرة الحدث وكشف كل الأمور والزوايا بشفافية تامة، المكاشفة تجعل الجميع على مسافة واحدة من قضايا المجتمع.
جاءَتِ الأديانُ كلُّ الأديانِ، لتقويمِ سلوكِ وأخلاقِ البشرِ، ولإرساءِ أُسُسِ العدالةِ والمساواةِ بينِ البشرِ، لكنْ واقعُ الحالِ أنّنا نجدُ انشراخاً عميقاً بينَ المذاهبِ عبرَ الدِّينِ الواحدِ، وصراعاتٍ مميتةً بينَ الأديانِ، إلى متى سيبقى بابُ هذا الصِّراعِ والتَّناحرِ مفتوحَاً بينَ المذاهبِ والأديانِ؟
سيظل هذا التناحر والصراع والقلاقل باباً لا يغلق، مادام هناك من يزكى وينفخ بالنار دوما ويسعى دائما إلى إيجاد طوائف وفصائل ومذاهب عديدة تشرذم الشعوب، وإشعال الخلاف بينهم من أجل سهولة الاختراق والهيمنة على الدول، كلما تفتت وحدة الدول وتحولت إلى جزر منعزلة كلما زادت فرص الدول التى تسمى الكبيرة بالسيطرة عليها وعلى مقدراتها، للأسف كل الأسف أن هناك من يبيعون أوطانهم ويزكون هذه الانقسامات والنفخ بالنار دوما، المتربحين على جسد الأوطان كثر، لم يعد هناك ولاء أو انتماء، كل الأديان والرسالات السماوية تدعو للمحبة والتسامح والتقارب والتآخي، ولكن هل كل من يحمل دينا معينا يؤمن برسالة معينة يؤمن برسائل الاديان، الواضح والظاهرة التى تزداد انتشار هى أن الكل يفسر الدين على هواه وحسب ما يصل به إلى مكاسب، التجارة بالأديان أصبحت واضحة ولكن لم يفكر أحد بالتصدي لها أو جود علاج ناجع لها، ولكن تجاهلها ساعد على استفحال هذه الظاهرة.
سُمِّيَ القرنُ التّاسعُ عشرَ بعصرِ القوميّاتِ، نحنُ في بدايةِ القرنِ الحاديِ والعشرينِ، ومانزالُ نتخبّطُ بالحقوقِ القوميّةِ وحقوقِ الأقلِّياتِ، إلى متى سنظلُّ نتصارعُ كأنَّنا في غابةٍ متوحِّشةٍ، لماذا لا نركِّزُ على بناءِ الإنسانِ وتأمينِ حقوقِ المواطنِ القوميّةِ والمذهبيّةِ والدِّينيّةِ بعيداً عَنْ لغةِ العنفِ والعنفِ المضادِّ؟!
يبدو أن التركيز على بناء الإنسان وتأمين حقوق المواطن بكل أشكال هذه الحقوق أمر لا يفكر به الكثيرون من أصحاب السلطة والحيثية، ربما سبب هذا يرجع إلى تصورهم، عى أنهم لو صنعوا هذا كان سببا لإيجاد من يناقشهم فى سياستهم ويجادلهم وهذا بالطبع لا يرحبون به على الإطلاق، الخنوع والاذعان أهم رسالة يؤمنون بها.
تحاولُ الدُّولُ العظمى أنْ تصنعَ حروباً في الدُّولِ النَّاميةِ، لتعيشَ هذه الدُّول المُتقدِّمةُ على حسابِ
المزيدِ مِنَ التّعاسةِ في الدُّولِ النَّاميةِ، إلى متى ستبقى هذهِ المعادلةُ المخرومةُ قائمةً في أبجديَّاتِ سياساتِ بعضِ الدُّولِ الكبرى؟
ستظل الدول النامية والناشئة تسلم قيادتها لأصحاب القوة، لوجود تفكير ضحل لدى الكثيرين أن هذا يضمن لهم حماية وأمن وأمان من خلال رعاية هذه الكيانات الكبرى، فحين جهلهم التام أنهم بخنوعهم هذا يتحولون إلى عرائس ماريونيت خيوطها بأيدى الكبار يحددون مسارها حسب رؤيتهم وحسب ما يريدونه من مكتسبات، أصبحت هذه البلدان مدمنة الخنوع والاحتلال بشتَّى صوره فكريا وعسكريا، ولن تفيق هذه الشعوب والدول إلا أذا أيقنت أنها تذهب بأوطانها إلى حيث لا رجعة، وأن عليها أن تسعي للعودة لأن تكون مستقلة بكل مسميات الاستقلال وأن تكون شعوبهم هى صاحبة قرارها ولا يملي عليهم، وندعو الله أن تعود لهم الذاكرة قبل فوات الأوان ويعرفون مسؤوليتهم الحقيقية.
الإنسانُ هو المهمُّ، هو جوهرُ الحياةِ، وهوَ العقلُ المدبِّرُ لقيادةِ الكونِ، مَعَ هذا لا أراهُ مُهمَّاً في برامجِ الكثيرِ مِنْ دولِ العالمِ، لماذا لا يتمُّ التَّركيزُ على بناءِ إنسانٍ خيِّرٍ وحكيمٍ ومُحبٍّ للسلامِ والعدالةِ وبناءِ الأوطانِ؟
أوافقك الرأى بأن الإنسان هو جوهر وأساس الحياة والمفترض أنه العقل الذى يقود الحياة بكل جوانبها، ولكن السؤال الذى يجب أن يطرح، هل المناخ والظروف التى تعيشها المجتمعات فى ظل صراعات وتشاحنات وحروب ومحاولة طمس هوية ثقافة وتاريخ الكثير من البلدان، وما تواجهه هذه البلدان من ارسال تيارات فكرية مناهضة ومقوضة للقيم والثوابت التى كانت السمة المميزة للشعوب يسمح له بأن يكون صاحب قرار وصاحب رسالة هادفة للسلام، لا أظن أن الأجواء الحالية والسماء الملبدة بكل الغيوم شديدة القتامة والتى لا تمطر إلا مزيداً من الألم والوجع تصنع هذا الإنسان، الإنسان الحالي مشوه إنسانيا وفكريا، الحل الوحيد هو عودة دور الأسرة المتماسكة والتى ترضع أولادها كل ألوان الإنتماء والإحساس بدورهم بخدمة أوطانهم، إن حدث هذا من الممكن أن نجد مثل هذا الإنسان.
عجباً أرى، كيفَ لا يفهمُ المتصارعونَ والمتحاربونَ أنَّ لا منتصرَ في الحروبِ، حتَّى المنتصرُ هو منتصرٌ على حسابِ جماجمِ الآخرينَ؟ نحنُ بحاجةٍ أنْ ننصرَ قيمَ الخيرِ والعدالةِ ونحقِّقَ الدِّيمقراطيّةَ والمساواةَ للجميعِ مِنْ دونِ هدرِ الدِّماءِ!
مؤكد أن الحروب الكل بها خاسر، ولكن هذا أمر بعيد كل البعد عن طرفي الصراع أو المتحاربين، أتساءل معك لماذا الحروب من الأساس التي أرى أغلبها هى حروب مفتعلة أو مصطنعة للسطو على مقدرات الشعوب من ثروات ومن قدرات لا تمتلكها الدول التي تلجأ للحروب والمضحك هنا أقوالهم وتصريحاتهم أنهم يريدون إرساء الحريات والديمقراطية، أية حرية وأية ديمقراطية، هناك نوع من الدول التى تريد أن تعلن لكل العالم أنها سيدة العالم، والسيادة بمفهومي هى أن تتعامل بمصداقية وأهداف معلنة غير خفية، واظن هذا واقولها بملء الفم، لن يحدث لأن الأطماع تزداد ونهش أجساد البلدان بل والرقص على هذه الأجساد أصبح هدفا، يجب السعي بلا هوادة لتحقيقه بأي شكل وطريقة حتى لو كان ضد كل المواثيق الإنسانية والدولية، هناك نوع جديد ظهر على الساحة هو مسماه الوحيد درايكولا اغتيال الشعوب وحقوقها.
أبحثُ عَنْ إنسانٍ حكيمٍ، عاقلٍ، جانحٍ نحوَ السَّلامِ، خيِّرٍ يقودُ البلادَ إلى دِفءِ الوئامِ، متى سنرى قائداً بهذهِ الحيثيّاتِ، يقودُ البلادَ إلى أبهى واحاتِ الأمانِ والسَّلامِ؟!
نحن فى زمن لا يتيح الفرصة لإفراز قائد أو حكيم يكون نبراسا للبشرية وينادى بحكمته إلى السلام العادل بين الجميع، لم يعد بعالمنا الراهن أي اهتمام بالقدوة والمرجعية والمثل من خلال التاريخ، نتأمل أن نجد شخصية فريدة وفذه بفكرها وبعقلها ومناطقها يستطيع إقناع الجميع أن السلام هو الوحيد الضامن لحياة بلا منغِّصات وبالتالي الجميع يحقق ذاته ولا يقفز على ذوات الآخرين.
الحيوانُ المُفترِسُ يفترسُ الكائناتِ والحيواناتِ الضَّعيفةَ مِنْ بني غيرِ جنسِهِ، مِنْ أجلِ البقاءِ، بينما الإنسانُ، هذا الكائنُ (السَّامي)، يفترسُ بني جنسِهِ ليسَ مِنْ أجلِ البقاءِ، بلْ بسببِ البطرِ والنُّزوعِ الحيوانيِّ، كأنَّهُ ينافسُ الحيوانَ المفترسَ افتراساً، إلى متى سيفترسُ الإنسانُ بني جنسِهِ؟!
الإنسان أصبح أكثر عدوانية من الحيوان، الحيوان هناك من هو أكثر ولاءً لصاحبه، وهذه صفة إنتفت إلى حد كبير فى وقتنا الراهن والأسباب واضحة ومعلنه للجميع، ولكن للأسف الكل يتجاهلها، لا أهداف للبعض، أرى أن الإنسان يعود إلى هذا المسمي بأن يكون متصالحا وواضحا وقادرة على مواجهة أخطارها.
الإنسانُ حيوانٌ اجتماعيٌّ بالطَّبعِ، أنا لا أرى فيهِ هذهِ الرُّوحَ الاجتماعيّةَ، بَلْ أرى فيهِ جنوحاً نحوَ البوهيميّةِ والغرائزيّةِ، كيفَ يمكنُ أنْ ننقِّيَ هذا النُّزوعَ البوهيميَّ وننمِّيَ فيهِ إنسانيّةَ الإنسانِ؟!
ضاع مسمي الإنسان كائن اجتماعي وتحول إلى مسمي الحيوان كائن اجتماعي، بسبب التحول التام من سلوكيات قويمة كانت تنتهج منهج الرحمة والعفو والود والتسامح والاعتراف بالآخر واحترامه، صرنا أشبه بساحة صراع دائم لا أول لها أو آخر للحصول على كل المكتسبات ولا تهم طريقة الحصول عليها، ومن هنا بدأ التباعد والتنافر بين الجميع، سادت الأنانية وسادت سياسة العنف وسادت لغة السوقية وسادت لغة انا ومن بعدي الطوفان، وتاهت خطوات القيم والأعراف، فكيف نستطيع أن نعيد هذا إلى من كان يطلق عليهم إنسان، الحل الوحيد هو وجود حوار مجتمعي دائم بين كل الشرائح المجتمعية، حوار بناء يهدف إلى إرساء المساواة والعدل بين الجميع، إلى قانون ليس به بنود استثنائية يجعل الكل يبحث عن الاستثناء، ننأى عن الطبقيّة وتصنيف البشر، ثم الأهم هو قدرة كل إنسان أن يقف أمام ذاته ويواجهها بسلبياتها وايجابياتها، إن تصالح الإنسان مع نفسه يجعل طريق العودة ميسَّرا ويعود لقبه الإنسان كائن اجتماعي.
كيفَ تنسجُ خيوطَ بحوثِكَ ونصوصِكَ، وتُترجم أفكارَكَ الإبداعيّةَ وأنتَ غائص في لجَّةِ الأحزانِ المتفاقمةِ في هذا الزَّمنِ المفخَّخِ بالتَّوهانِ عَنِ الهدفِ، أم أنَّكَ تزدادُ ألقاً وعُمقاً في صياغةِ أفكارِكً رغمَانشراخاتِ هذا الزّمانِ؟!
أنا أرى أن الكتابة وممارسة الهوايات هى سبيل مؤقت ومحاولة لعدم إيلاء الوجع والحزنوالألم كثير من الإهتمام، لأننا لو توقفنا أمام كل هذه الأمور ما تحركنا قيد أنملة، الكتابة لدي بمثابة الحصول على اوكسجين نقى عوضا عن ثاني أوكسيد الكربون الذى ظل سائدا بكل الأجواء، ومن هنا أوجه رسالة لكل إنسان على اختلاف مراحله العمرية، موهبتك واهتمامك هما السبيلان الوحيدان للحصول على حظ وافر من التصالح النفسي، ثم إن كتاباتي تنادي دوما بالعودة للأمس بجماله وعبقه وما كان يحمله من نداءات الإنسانية وهذا دور أراه لابد وأن يكون هدفا للجميع، للكتّاب والمفكرين والفنانين ومن له باع بعالم الثقافة وأن يعي ويقدر كل منهم أن الكلمة والفكرة والهدف أمانة يحملونها وعليهم إثبات استحقاقهم لحمل الأمانة.
لا أرى أهدافاً عظيمةً مِمَّا يهدفُ إليها إنسانُ اليومِ، غالباً ما تكونُ أهدافاً عقيمةً مِنْ حيثُ فائدتُها للمجتمعِ البشريِّ، إلى متى سيغوصُ في تُرَّهاتِ الحياةِ، تاركاً أسمى الأهدافِ بعيدةً عَنْ نُصْبِ عينيهِ؟!
لن نري أى أهداف عظيمة أو حتى متوسطة طالما أن العالم كله بلا إستثناء يدور فى دائرة الصراعات الداخلية مثل الأزمات الاقتصادية وعدم الشفافية بالكثير مما يدور داخل الأوطان، أو خارجها والجميع يبحث عن التهام دول وبلدان أخرى لاستغلال ثرواتها ومواردها البشرية والطبيعية، طالما وجد الصراع والحروب التى لا تخبو جذوتها مطلقا لن نصل يوما ما لأيّةِ اهداف إنسانية تحقق السلم النفسي والاجتماعي وتحوِّل البلدان إلى بلدان منتجة تبحث دوما عن طريق التقدم، الأهداف الجميلة المنتظرة لابد لها من مناخ يتيح لها فرصة التنفس بصدق وليس بتضييق الخناق، الأهداف الجميلة هى الحرية وحالما توجد الحرية كل الطرق تصل إلى النبل والسلم بكل مسمّياتها.
ما هوَ دورُكَ مبدعاً، مثقَّفَاً، مفكِّراً عندما ترى الإنسانَ يقتلُ بني جنسِهِ بقلبٍ باردٍ، مِنْ دونِ أنْ يرمشَ لَهُ جفنٌ؟
دور الكاتب أو المبدع بشتى المجالات وليس دورى أنا فقط أن يرسخ القيم والأخلاق ويشير إلى الأهداف التى تثري المجتمعات وأن يكون مصباحا يضيء الطريق نحو طرق مساراتها غير متعرجة أو مليئة بالمطبات والمعوقات، وأن يشير بقوة إلى السلبيات التى يجب أن تُطمَس لتسير الحياة بسلاسة وهدوء، وهذا يتأتَّى من خلالِ كاتبٍ يكتب بصدق وموضوعية لا أن يجنح نحو كتابة لا تمثِّل الواقع المعاش بأي حال من الأحوال.
كيفَ يمكنُ أنْ ننقذَ فقراءَ وأطفالَ هذا العالمِ مِنَ الخرابِ والفقرِ والقحطِ الَّذي بدأَ يستفحلُ في الكثيرِ مِنْ دولِ العالمِ؟!
يمكن لنا أن ننقذ فقراء وأطفال هذا العالم، بأن نتبنَّى ونبدأ مشروعا تحت أى مسمي أتمناه مسمي واقعى لا
مجرد شعارات وعبارات طنّانة، أن يوضع برنامج عالمي لرعاية الإنسان من طفولته حتى الشباب وتوفير رعاية نفسية واجتماعية تبصره كيفية التعامل مع الحياة ومع تغيير وتحويل أحوالها، تزرع بداخلة الفضائل وترسِّخ له الحقيقة بلا تزييف وتأخذ بيده لطريق يعرف مسالكة دون تعثر، ثم علينا خلق أجواء حوارية دائمة لتبصير الجميع بحقائق الأمور. إن تمَّ هذا، ثق تماما أننا سنكونُ قادرين على مجابهة أية أزمات بهدوء، ولكن هل لديك المسؤول بشتى مواقع القدرة على التفكير خارج الصندوق.
ما هي أفضلُ الطُّرقِ والأُسُسِ الَّتي تقودُنا إلى تحقيقِ السَّلامِ العالمي بينَ البشرِ كلِّ البشرِ؟
الإجابات السابقة هى المرشد والدليل لتحقيق هذا، أضف إلى هذا إرادة التغيير ووضع هدف السعي إلى السلام العالمى للبشرية لأن هذا يتطلب تكاتف كل المؤسسات والهيئات والشّخصيات الحثيثة لتحقيق هذه الأهداف، بغير هذا يصبح هذا مجرد حلم بعيد المنال .
لو قامَ كلُّ إنسانٍ بأعمالِ الخَيرِ والسَّلامِ والمحبّةِ لتحقَّقَ السَّلامُ كتحصيلِ حاصلٍ، ما هوَ دورُكِ في تحقيقِ هذهِ الفكرةِ؟
قلت مرارا في المنابر الإعلامية المقرؤة والمسموعة والمرئية أن تتبنى فكرة الدعوة الدائمة مع تضافر جهود أصحاب السلطة وتكون لهم الإرادة التامة والمنطقية لإحلال السلام والتراحم والتسامح بين الجميع، وأن يحترم كل بلد خصوصيات وطبيعة كل بلد آخر والبعد كل البعد عن التدخل بشؤونه أو محاولة فرض سياسات أو طقوس حياتية لا تناسبه أو تناسب شعوبه، كل يمارس حياته بما اعتادوا عليه من قديم الأزل.
كيفَ يمكنُ أنْ نسخِّرَ أقلامَ مفكِّري ومبدعي ومبدعاتِ هذا العالمِ مِنْ أجلِ تحقيقِ السَّلامِ والكرامةِ الإنسانيّةِ؟
من أجل أن يتحقق هذا، لماذا لا تقوم كل دولة بترشيح بعض من كتابها ومفكريها المنفتحين على العالم دون أن تكون لهم أهداف أو انتماءات خاصة، ويجلس الجميع على مائدة حوار مستديرة وينزع كل منهم ثياب وطنه ويعي أن عليه من خلال هذه الجلسات أن يعمل وأن انتماؤه الأول والأخير هو من أجل سلام وتسامح العالم، ويضعوا أطر سياسية يمكن تطبيقها على أرض الواقع دون معوقات، والنقاش الهادئ العقلاني والهادف للوصول فعليا إلى ما يحقق وما تصبو إليه شعوب العالم، ثم لِمَ لا نفكِّر بإنشاء مجلس أعلى للثقافة العالمية دون أن يخضع لأي سلطة سياسية ليكون صاحب القرار الأول والأخير بشأن الثقافة، الثقافة التيستكون منالمؤكّد مرآة المجتمعات.
ما رأيُكَ بتأسيسِ تيَّارٍ وفكرٍ إنسانيٍّ على مستوى العالمِ، لإرساءِ قواعدِ السَّلامِ وتحقيقِ إنسانيّةِالإنسانِ، بإشرافِ هيئاتٍ ومنظَّماتٍ دوليّةٍ تمثِّلُ كلَّ دولِ العالمِ، كي يكونَ لكلِّ دولةٍ مِنْ دولِ العالمِ دورٌفي تحقيقِ السَّلامِ؟
هذا ما قلته باجابتي السابقة فقط أعيد أن لا تخضع لأي جهات سياسية حتى تؤدي دورها دون أي توجهات تأخذ وجهته إلى مسار لا يؤدي الأهداف التى أنشأت من أجلها هذه التيارات، وهذا أيضاً لا يتأتي إلا بالتكاتف والتفاهم والقناعة من الجميع انهم أتوا من أجل رسالات سامية وبناء.
23. ما هي أفضلُ الطُّرقِ لخلقِ رؤى تنويريّةٍ، ديمقراطيّةٍ، تقدميّةٍ في العالمِ العربيِّ والدُّولِ النَّاميةِ في العالمِ، لتحقيقِ السَّلامِ والاستقرارِ، بعيداً عَنْ لغةِ الحروبِ المُميتةِ الَّتي دمَّرَتْ وتدمِّرُ كلَّ الأطرافِ المتصارعةِ؟
سأحيلك هنا إلى الدعوة لقراءة كتاب (رؤية للمستقبل) للدكتور الراحل الكبير (مصطفي محمود) الذى أشار إلى ( إن أردت أن تهدم حضارة أمة فعليك بثلاث، الأول..اهدم الأسرة والأم تحديدا لأنها حجر الزاوية للاسرة، والثاني.. اهدم التعليم، وهو للاسف ما هو حادث ببلدان عديدة من العالم، الثالث.. اهدم القدوة والمرجعية وقال من إنجازاتهم، إن أردنا البعد عن الحروب المميته والتي تنتهج نهج الإبادة الجماعية ببعض البلدان فعلينا البحث عن حلول وعلاج ناجع لهذه الثلاث، إن استطعنا عاد كل شيء إلى مداره الحقيقي.
 ما رأيُكَ بإلغاءِ وإغلاقِ معاملِ السِّلاحِ في العالمِ، والوقوفِ ضدَّ صنَّاعِ الحروبِ والفكرِ القائمِ على الصِّراعاتِ، ومعاقبةِ كلِّ مَنْ يقفُ ضدَّ السَّلامِ، لتحقيقِ السَّلامِ بقوّةِ القانونِ العالمي، وذلكَ بمحاسبةِ الجانحينَ نحوَ الحروبِ ودمارِ الأوطانِ؟!
لا أظن أن هذا أمر يمكن تحقيقة، ولكن بالإمكان وبالتوافق أن يكون غالبية الإنتاج من الأسلحة، أسلحة تساعد فى التنمية والبناء والاستفادة من هذه الصناعات بتطوير مناحي حياتية كثيرة، ولكن هل يستمع الجميع بهذه الرؤية وهذه الدعوات، لا أظن، الدول التي تحمل لقب الكبري والتي جبلت على السياسات التوسعية والتى دوما اطماعها قابلة للزيادة وارتفاع سقف اطماعها إلى أعلى المستويات، وللأسف هى أيضاً تملك الكثير من خيوط ماريونيت الدول، توجهها حالما وكيفما تريد، دعونا نحلم بأن يدور الزمن دورته ونرى عالما خاليا من الحروب والدمار.
ألَا ترى أنَّهُ قَدْ آنَ الأوانُ لتأسيسِ “جبهةِ” سلامٍ عالميّةٍ مِنْ خلالِ تواصلِ المبدعينَ والمفكِّرينَ مِنْ شتّى الاختصاصاتِ، والدَّعوةِ لتأسيسِ دستورٍ عالميٍّ عبرَ مؤسَّساتٍ وهيئاتٍ عالميّةٍ جديدةٍ، لتطبيقِ السَّلامِ عبرَ هذهِ التَّطلُّعاتِ على أرضِ الواقعِ؟
هناك الكثير من الجهات تحمل هذا المسمي وغيره، ولكن هل لها دور وهل يوجد لها مساحات من حرية الرأي وأن تصل رؤاها إلى الجميع؟ المشكلة ليست فى إقامة جبهات المشكلة تكمن بعدم وجود مناخ يساعد على أداء الرسالة وأهدافها، سيظل هذا ضمن الأحلام والتمنيات، ونأمل بقادم الأيام أن يوجد من يستطيع بسط أهدافها دون عراقيل.

صبري يوسف: أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم رئيس تحرير مجلّة السَّلام الدَّوليّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى