سياسة

المرأة العُمانية شراكة في النهضة وصناعة المستقبل

بقلم: سعيد مالك| معلّم لغة عربية
منذ فجر النهضة العُمانية الحديثة، برزت المرأة العُمانية كركيزة أساسية في بناء الوطن، لا مجرد متلقٍّ لثمار التنمية، بل شريكة فاعلة في صياغة الحاضر واستشراف المستقبل. كانت وما زالت مثالًا للوعي والعطاء، تحمل في روحها مزيجًا من الأصالة والتجديد، وتجمع بين انتمائها العميق لقيم المجتمع العُماني وبين انفتاحها على آفاق العلم والعمل.
في ظل الرؤية السامية الثاقبة
واصلت النهضة المتجددة في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله – هذا النهج المبارك، فكانت المرأة العُمانية محورًا رئيسيًا في رؤية عُمان 2040، التي تؤكد على التنمية الشاملة والمستدامة، والمشاركة المتكافئة بين الجنسين. وتجلّى هذا الدعم في تمكين المرأة قانونيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، حيث نالت حقوقها في التعليم والتملك والعمل والمشاركة السياسية، حتى غدت اليوم عضوة فاعلة في مجلس الدولة ومجلس الشورى، وسفيرة تمثل بلادها في المحافل الدولية، ومديرة ومهندسة وطبيبة ومعلمة وباحثة تصنع الفرق في كل موقع.
القانون يحمي والقيادة تدعم
من الملامح المشرقة لتجربة المرأة العُمانية وجود إطار قانوني يحمي حقوقها ويعزز مكانتها. فقد نص النظام الأساسي للدولة على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، دون تمييز بسبب الجنس.وتحرص المؤسسات الرسمية والمدنية على دعم المرأة من خلال برامج تدريب وتمويل وتمكين، مثل جمعية المرأة العُمانية ومراكز التنمية الاجتماعية.وهكذا لم يعد الحديث عن “تمكين المرأة” مجرد شعار، بل أصبح ممارسة واقعية يلمسها الجميع في شتى الميادين.
أصالة الجذور وبذور النهضة
لم تكن المرأة العُمانية يومًا هامشًا في صفحات التاريخ، بل هي نسيج أصيل في المجتمع منذ القدم. فقد أدّت دورها في البيت والقبيلة والميدان، وأسهمت في الزراعة والحرف التقليدية والتعليم الديني، وكانت سندًا للرجل في أوقات الرخاء والشدة. وحين بزغ فجر النهضة المباركة عام 1970م بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه –، فتحت أمامها أبواب العلم والعمل على مصراعيها. فقد كان يؤمن إيمانًا راسخًا بأن “الوطن لا يمكن أن ينهض بنصف طاقته”، فدعا إلى تمكين المرأة لتسهم بعقلها وجهدها في مسيرة التنمية.
المرأة والتعليم: مفاتيح التمكين
من أبرز إنجازات المرأة العُمانية في العقود الأخيرة تفوقها في ميدان التعليم. فقد أثبتت التقارير الوطنية أن نسب التحاق الإناث بمراحل التعليم المختلفة أصبحت تقارب الذكور، بل تتفوّق عليهن في بعض الجامعات. ولقد وعَت المرأة العُمانية أن العلم هو طريق الكرامة والاستقلال، فاقتحمت تخصصات كانت يومًا حكرًا على الرجال، كالهندسة وتقنية المعلومات والعلوم البحرية والطب العسكري، لتؤكد أن الطموح لا يعرف جنسًا ولا حدودًا.
في ميدان العمل والإنتاج
في عالم العمل، أثبتت المرأة العُمانية كفاءتها العالية وقدرتها على الجمع بين المهنية والمسؤولية الاجتماعية. فهي اليوم تشارك في القطاعين العام والخاص، وتشغل مناصب قيادية في الوزارات والبنوك والشركات الكبرى.ولم تكتفِ بذلك، بل أسّست العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن برامج ريادة الأعمال، فظهرت أسماء لامعة في مجالات الأزياء التقليدية والتصميم والفنون والحرف التراثية والابتكار التقني، لتكون نموذجًا للمرأة العُمانية الطموحة التي تصنع لنفسها بصمة خاصة في الاقتصاد الوطني.
ما بين البيت والمجتمع
ورغم انخراطها في الحياة العامة، لم تنسَ المرأة العُمانية دورها الأصيل في الأسرة، فهي الأم المربية التي تغرس في أبنائها قيم الأصالة والاحترام، وهي الزوجة التي تشارك زوجها هموم الحياة، وهي الركيزة التي يستند إليها البيت العُماني في استقراره وتماسكه.وقد استطاعت بذكاء ومرونة أن توازن بين متطلبات العمل ومسؤوليات البيت، محافظةً على ملامح المجتمع العُماني المتماسك الذي يُعدّ الأسرة نواته الأولى.
في ميدان الثقافة والفكر
لمع نجم المرأة العُمانية في مجالات الفكر والأدب والإعلام. فظهرت كاتبات وشاعرات وإعلاميات قدّمن أعمالًا رصينة أثرت المشهد الثقافي العربي. وتُعد الكاتبة العُمانية اليوم صوتًا صادقًا يعبر عن قضايا المجتمع والوطن، ويُبرز صورة المرأة العُمانية الواعية التي تمتلك رؤية نقدية وشغفًا بالمعرفة.كما شاركت العُمانيات في المهرجانات الدولية، وحصلن على جوائز في مجالات الرواية والفن التشكيلي والسينما، مما يعكس المكانة التي بلغنها على المستويين المحلي والعالمي.

المرأة العُمانية في العمل الإنساني
إلى جانب دورها التنموي، تتألق المرأة العُمانية في ميادين العطاء الإنساني. فهي حاضرة في الجمعيات الخيرية والمبادرات التطوعية، تمد يد المساعدة للفقراء والمرضى، وتشارك في حملات الإغاثة داخل السلطنة وخارجها.إنها تجسيد حي لروح العطاء التي تميز الشخصية العُمانية الأصيلة، وتعبير عن ضمير وطني حي لا يتخلف عن نداء الواجب.
نحو مستقبل أكثر إشراقًا
اليوم، تقف المرأة العُمانية في قلب التحولات الكبرى التي يشهدها الوطن. تمتلك العلم والكفاءة، وتحمل في قلبها ولاءً صادقًا لعُمان وقائدها، وتؤمن أن النهضة مسؤولية مشتركة. وإن ما تحقق حتى الآن هو خطوة على طريق طويل من الإبداع والتحدي، فالمستقبل يدعوها لمزيد من المشاركة في الاقتصاد الرقمي، والطاقة المتجددة، والبحث العلمي، وصنع القرار. فالمرأة العُمانية ليست مجرد قصة نجاح، بل هي عنوان لعصرٍ جديد من الوعي والنهضة. هي أم وأخت ومعلمة وقائدة، تحمل عبق التاريخ في قلبها، وتطل على المستقبل بعين الأمل والعزيمة. ولقد أثبتت للعالم أن الحضارة لا تُبنى إلا بسواعدٍ متعاونة، وأن الأمم التي تحترم نساءها وتفتح لهن أبواب المشاركة، هي الأمم القادرة على النهوض بثبات.
وهكذا تبقى المرأة العُمانية شعلة متقدة في سماء الوطن، رمزًا للفخر والإنجاز، وسطرًا مضيئًا في مسيرة النهضة العُمانية المتجددة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى